[الباب الأول في التشبيه]
تمهيد
للتّشبيه: روعة وجمال، وموقع حسنٌ في البلاغة: وذلك لإخراجه الخفي إلى الجلي، وإدنائه البعيد من القريب، يزيد المعاني رفعة ووضوحاً ويكسبُها جمالا وفضلا، ويكسوها شرفا ونُبلا، فهو فن واسع النطاق، فسيح الخطو، ممتدُ الحواشي مُتَشعب الأطراف مُتوعر المسلك، غامض المدرك، دقيق المجرى غزير الجدَوى.
ومن أساليب البيان: أنك إذا أردت إثبات صفة لموصوف، مع التوضيح، او وجهٍ من المبالغة، عمدت إلى شيء آخر، تكون هذه الصفة واضحة فيه، وعقدت بين الاثنين مماثلة، تجعلها وسيلة لتوضيح الصفة، أو المبالغة في اثباتها _ لهذا كان التشبيه أول طريقة تدل عليه الطبيعة لبيان المعنى.
تعريف التشبيه وبيان أركانه الأربعة
التشبيه: لغة التمثيل ُ - قال: هذا شبه هذا: ومثيله
والتشبيه: إصطلاحاً - عقد مماثلة بين أمرين، أو: أكثر، قصد اشتراكهما في صفة: أو: أكثر، بأداة: لغرض يقصد المتكلم للعلم.
وأركان التشبيه أربعة.
(١) المُشبه: هو الأمر الذي يُراد الحاقه بغيره
(٢) المُشبه به: هو الأمر الذي يلحق به المشبه
(٣) وجه الشبه: هو الوصف المشترك بين الطرفين، ويكون في المشبه به، أقوى منه في المشبه - وقد يُذكر وجه الشبه في الكلام، وقد يُحذف كما سيأتي توضيحه.
(٤) أداة التشبيه: هي اللفظ الذي يدلُ على التشبيه، ويربط المشبّه بالمشبّه به، وقد تَذكر الأداة في التشبيه، وقد تحذف، نحو: كان عمرُ في رعيَّته كالميزان في العدل، وكان فيهم كالوالد في الرحمة والعطف.
تمرين
على التشبيه وبيان أركانه الأربعة
أنت كالوردة لمساً وشذاً ... جادها الغيثُ على غُصن نَضر
إنما الناس كالسَّوائم في الرِّز ... ق سواء جهولهم والعليم
أنت مثل الغصن ليناً ... وشبيهُ البَدر حُسنا
لك شعرٌ مثلُ حِّظى ... في سوادٍ قد تثنَّى
أنت عندي كليلة القدر في القدر ... ر ولكن لا تستجيب دعائي
العشق كالموت يأتي لا مردّ له ... ما فيه للعاشق المسكين تدبير
وكن كالشمس تظهر كل يوم ... ولاتكُ في التغيب كالهلال
بعض الرجال الميت تمنحه ... أعز شيء ولا يعطيك تعويضاً
وخيل تحاكي البرق لوناً وسرعة ... وكالصّخر إذ تهوى وكالماء في الجرى
أعوام إقباله كاليوم في قصرٍ ... ويومُ إعراضه في الطول كالحِججِ
أورد قلبي الرّدى ... غصُنُ عذار بدا
أسود كالكفر في ... أبيض مثل الهُدى
لا جزى الله دمَعَ عيني خيراً ... وجزى الله كل خير لساني
نمّ دمعي فليس يكتم شيئا ... ووجدت اللسان ذا كتمانِ
كنت مثل الكتاب أخفاه طيٌّ ... فاستدلوا عليه بالعُنوان
للورد عندي محل ... لأنه لا يُملُ
كل الرياحين جندٌ ... وهو الأمير الأجَلُ
إن غاب عزوا وباهوا ... حتى إذا عاد ذلّوا