للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث السادس في الاستعارة باعتبار الطرفين (١)

إن كان المستعار له محققاً حساً «بأن يكون اللفظ قد نقل إلى أمر معلوم، يمكن أن


(١) اعلم أن المذاهب في التخييلية أربعة
(الأول) مذهب السلف، والخطيب: وهو أن جميع أفراد قرينة المكنية مستعملة في حقيقتها، والتجوز إنما هو في (الاثبات لغير ما هو له) المسمى استعارة تخييلية، فهما متلازمان، وهي من المجاز العقلي.
(الثاني) مذهب السكاكي: وهو أن قرينة المكنية، تارة تكون تخييلية، أي مستعارة لأمر وهمي: كأظفار المنية، وتارة تكون تحقيقية، أي مستعارة لأمر محقق «كابلعي ماءك» وتارة تكون حقيقة «كأنبت الربيع البقل» فلا تلازم بين التخييلية والمكنية، بل يوجد كل منهما بدون الآخر - وقد استدل السكاكي: على انفراد التخييلية عن المكنية بقوله
لا تسقني ماء الملام فانني صب قد استعذبت ماء بكائي
فانه قد توهم: أن للملامة شيئا شبيهاً بالماء، واستعار اسمه له استعارة تخييلية غير تابعة للمكنية، ورده العلامة (الخطيب) بأنه لا دليل له فيه، لجواز أن يكون فيه استعارة بالكناية، فيكون قد شبه الملام، بشيء مكروه، له ماء، وطوى لفظ المشبه به، ورمز إليه بشيء من لوازمه، وهو الماء، على طريق التخييل.
وأن يكون من باب إضافة المشبه به إلى المشبه، والأصل لا تسقني الملام الشبيه بالماء وأيضا: لا يخفى ما في مذهب السكاكي من التعسف، أي الخروج عن الطريق الجادة، لما فيه من كثرة الاعتبارات - وذلك: أن المستعير يحتاج إلى أمر وهمي، واعتبار علاقة بينه وبين الأمر الحقيقي، واعتبار قرينة دالة على أن المراد من اللفظ، الأمر الوهمي، فهذه اعتبارات ثلاثة، لا يدل عليها دليل، ولا تمس إليها حاجة.
(الثالث مذهب صاحب الكشاف) وهو أنها تكون تارة مصرحة تحقيقية، وتارة تكون تخييلية - أي مجازاً في الاثبات.
(الرابع - مذهب صاحب السمرقندية) وهو مثل مذهب صاحب الكشاف غير أن الفرق بينهما: أن مدار الأقسام عند صاحب الكشاف على الشيوع، وعدمه وعند صاحب (السمرقندية) على الامكان وعدمه.
(تنبيه) الفرق: بين ما يجعل قرينة للمكنية وبين ما يجعل نفسه تخييلا على مذهب السكاكي - أو استعارة تحقيقية: على مذهب صاحب الكشاف في بعض المواد، وعلى مختار (صاحب السمرقندية) كذلك - أو إثباته تخييلا على مذهب (السلف، وصاحب الكشاف) في بعض المواد - وعلى مختار صاحب السمرقندية) كذلك - وبين ما يجعل زائداً عليها (قوة الاختصاص) أي الارتباط بالمشبه به - فأيهما أقوى ارتباطاً به فهو (القرينة) وما سواه (ترشيح) - (وذلك) كالنشب في قولك (مخالب المنية نشبت بفلان) فان (المخالب) أقوى اختصاصاً وتعلقاً بالسبع، من (النشب) لأنها ملازمة له دائماً، بخلاف النشب.

<<  <   >  >>