ولا يخلو (التقديم) من أحوال أربع = الأول - ما يفيد زيادة في المعنى مع تحسين في اللفظ وذلك هو الغاية القصوى، واليه المرجع في فنون البلاغة - والكتاب الكريم هو العمدة في هذا، انظر إلى قوله تعالى (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة) تجد ان لتقديم الجار في هذا قد أفاد التخصيص وأن النظر لا يكون إلا لله، مع جودة الصياغة وتناسق السجع. الثاني - ما يفيد زيادة في المعنى فقط نحو (بل الله فاعبد وكن من الشاكرين) فتقديم المفعول في هذا لتخصيصه بالعبادة، وأنه ينبغي ألا تكون لغيره، ولو أخر ما أفاد الكلام ذلك. الثالث - ما يتكافأ فيه التقديم والتأخير وليس لهذا الضرب شيء من الملاحة كقوله ... ... وكانت يدى ملأى به ثم اصبحت ... «بحمد إلهي» وهي منه سليب فتقديره: ثم أصبحت وهي منه سليب بحمد إلهي. الرابع - ما يختل به المعنى ويضطرب، وذلك هو التعقيد اللفظي - أو المعاظلة التي تقدمت، كتقديم الصفة على الموصوف، والصلة على الموصول، أو نحو ذلك من الانواع التي خرجت عن الفصاحة - ومنها قول الفرزدق. إلى ملك ما أمه من محارب أبوه ولا كانت كليب تصاهره فتقديره: إلى ملك أبوه ما أمه من محارب، أي ما أم أبيه منهم، ولا شك أن هذا لا يفهم من كلامه للنظرة الأولى، بل يحتاج إلى تأمل وتريث ورفق، حتى يفهم المراد منه.