للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث الثاني في حذف المُسند اليه

الحذف خلاف الأصل، ويكون لمجرَّد الاختصار والاحتراز عن العبث بناء على وجود قرينة تدُلّ على المحذوف - وهو قسمان

«أ» قسمٌ يظهر فيه المحذوف عند الإعراب: كقولهم - أهلا وسهلا فإن نصبهما يدل على ناصب محذوف يُقدر بنحو: جئت أهلا ونزلت مكاناً سهلاً - وليس هذا القسم من البلاغة في شيء.

«ب» وقسم لا يظهر فيه المحذوف عند الاعراب - وإنما تعلم مكانه إذا أنت تصفحت المعنى، ووجدتَه لا يتم إلا بمراعاته، نحو يعطي - ويمنع أي - يُعطى من يشاء، ويمنع من يشاء - ولكن لا سبيل إلى إظهار ذلك المحذوف، ولو أنت أظهرته زالت البهجة، وضاع ذلك الرَّونق (١)

ومن دواعي الحذف: إذا دلت عليه قرينة، وتعلق بتركه غرض من الأغراض الآتية:

(١) ظهوره بدلالة القرائن عليه - نحو: فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم «أي أنا عجوز» .

(٢) إخفاءُ الأمر عن غير المخاطب - نحو أقبل «تُريد عليا مثلا» .

(٣) تيسر الانكار إن مسَّت إليه الحاجة - نحو (لئيم خسيس) بعد ذكر شخص لا تذكر اسمه ليتأتَّى لك عند الحاجة أن تقول ما أردته ولا قصدته.

(٤) الحذر من فوات فرصة سانحة - كقول منبه الصياد:

غزالٌ «أي هذا غزال»


(١) وفي هذا القسم تظهر دقائق البلاغة ومكنون سرها ورائع أساليبها، ولهذا يقول الامام (عبد القاهر الجرجاني) : في باب الحذف: ىنه باب دقيق المسلك، لطيف الماخذ، عجيب الأمر، شبيه بالسحر، فانك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر والصمت عن الافادة أزيد للافادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون بيانا إذا لم تبن، وهذه جملة قد تنكرها حتى تخبر، وتدفعها حتى تنظر والأصل في جميع المحذوفات على اختلاف ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل عليها، وإلا كان الحذف تعمية وألغازاً لا يصار إليه بحال - ومن شرط حسن الحذف أنه متى ظهر المحذوف زال ما كان في الكلام من البهجة والطلاوة، وصار إلى شيء غث لا تناسب بينه وبين ما كان عليه أولا (والقرينة شرط في صحة الحذف) إذا اقترن بها غرض من الأغراض المذكورة.

<<  <   >  >>