ومرجع ذلك الذوق السليم والالمام بقواعد النحو، بحيث يكون واضح المعنى، سهل اللفظ، حسن السبك- ولذلك يجب أن تكون كل لفظة من ألفاظه واضحة الدلالة على المقصود منها، جارية على القياس الصرفي، عذبة سلسلة، كما يكون تركيب الكلمات جار يا على القواعد النحوية خاليا من تنافر الكلمات مع بعضها، ومن التعقيد فمرجع الفصاحة سواء في اللفظة المفردة، أو في الجمل المركبة إلى أمرين (مراعات القواعد - والذوق السليم) وتختلف فصاحة الكلام أحيانا باختلاف التعبير عما يدور بالنفس من المعاني اختلافا ظاهرا، فتجد في عبارات الأدباء من الحسن والجودة ما لا تجد في تعبير غيرهم، مع اتحاد المعنى الذي يعبر عنه، ويختلف الأدباء أنفسهم في أساليبهم: فقد يعلو بعضهم في أسلوبه، فتراه يسيل رقة وعذوبة، ويصل إلى القلوب فيبلغ منها ما يشاء أن يبلغ، وذلك نوع من البيان يكاد يكون سحرا، وقد يكون دون هذه المنزلة قليلا أو كثيرا - وهو مع ذلك من فصيح القول وحسن البيان. (٢) (كثرة التكرار: وتتابع الاضافات) أقول الحق - أن هذين العيبين قد احترز عنهما بالتنافر. على أن بعضهم أجازهما لوقوعهما في القرآن كما في قوله تعالى «ونفس وما سواها» الآيات - وفي قوله تعالى «ذكر رحمت ربك عبده زكريا» (٣) حرب بن أمية: قتله قائل هذا البيت، وهو هاتف من الجن صاح عليه (وقفر) خال من الماء والكلأ، وقبر اسم ليس مؤخر، وقرب خبرها مقدم - قبل إن هذا البيت لا يمكن إنشاده ثلاث مرات متوالية ألا ويغلط المنشد فيه، لأن نفس اجتماع كلماته وقرب مخارج حروفها، يحدثان ثقلا ظاهراً، مع أن كل كلمة منه لو أخذت وحدها ما كانت مستكرهة ولا ثقيلة. (٤) أي هو كريم، وإذا مدحته وافقني الناس على مدحه، ويمدحونه معي، لإسداء إحسانه إليهم كاسدائه إلى، وإذا لمته لا يوافقني أحد على لومه، لعدم وجود المقتضى للوم فيه - وآثر لمته على هجوته مع أنه مقابل المدح إشارة إلى أنه لا يستحق الهجو ولو فرط منه شيء فإنما يلام عليه فقط، والثقل في قوله «أمدحه» لما بين الحاء والهاء من التنافر، للجمع بينهما: وهما من حروف الحلق - كما ذكره الصاحب اسماعيل بن عباد..