للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(٥) أو بيان إمكان وجود المشبه، بحيث يبدو غريباً يُستبعد حدُوثه والمشبه به يزيل غرابته، ويُبين أنه ممكنُ الحصول، كقوله:

فان تفق الأنام وأنت منهم فان المسك بعض دم الغزال (١)

(٦) أو مدحه وتحسين حاله، ترغيباً فيه، أو تعظيما له، بتصويره بصورة تهيج في النفس قوى الاستحسان، بأن يعمد المتكلم إلى ذكر مشبه به معجب، قد استقر في النفس حسنه وحبُّه، فيصور المشبه بصورته، كقوله:

وزاد بك الحسن البديع نضارة كأنك في وجه الملاحة خالُ

ونحو: كأنك شمس والملوك كواكب إذا طلعت لم يبد منهن كوكب

وكقوله:

سبقت إليك من الحدائق وردة وأتتك قبل أوانها تطفيلا

طمعت بلثمك إذ رأتك فجمَّعت فمها إليك كطالب تقبيلا

وكقوله: له خال على صفحات خد كنقطة عنبر في صحن مرمر

والحاظ كاسياف تُنادي على عاصي الهوى الله أكبر

(٧) أو تشويه المشبه وتقبيحه، تنفيراً منه أو تحقيراً له، بأن تصوره بصورة تمجها النفس، ويشمئز منها الطبع، كقوله:

وإذا أشار محدثاً فكأنه قرد يقهقهُ أو عجوزٌ تلطم

وكقوله:

وترى ناملها دبت على مزمارها كخنافسٍ دبت على أوتار

(٨) أو استطرافه «أي عده طريفاً حديثاً» بحيث يجىء المشبه به طريفاً، غير مألوفٍ للذهن.

إما لاإبرازه في صورة الممتنع عادة، كما في تشبيه: فحم فيه جمر متقد يبحر من المسك موجه بالذهب - وكقوله:

وكأن محمرَّ الشقيق ... ... إذا تصَّوب أو تصعَّد

أعلام ياقوت نشر ... ن على رماح من زبرجد

وإما لندور حضور المشبه به في الذهن عند حضور المشبه، كقوله:

أنظر إليه كزورق من فضَّة قد أثقلته حمولة من عنبرٍ (٢)

تشبيه على غير طرقه الاصلية

التشبيه الضمني

هو تشبيه ٌ لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمح المشبه والمشبه به، ويفهمان من المعنى، ويكون المشبه به دائماً برهاناً على امكان ما أسند إلى المشبه، كقول المتنبي

من يهن يسهل الهوانُ عليه ما لجُرحٍ بميَّت إيلامُ

(أي إن الذي اعتاد الهوان، يسهل عليه تحمّله، ولا يتألم له، وليس هذا الادعاء باطلا (لأن الميت إذا جرح لا يتألم) ، وفي ذلك تلميح بالتشبيه في غير صراحة، وليس على صورة من صور التشبيه المعروفة، بل انه (تشابهٌ) يقتضي التَّساوي، وأما (التشبيه) فيقتضي التفاوت.

التشبيه المقلوب

(٢) قد يُعكس التشبيه، فيجعل المشبه مشبهاً به - وبالعكس (٣)

فتعود فائدته إلى


(١) أي أنه لا استغراب في فوقانك للانام مع أنك واحد منهم - لأن لك نظيراً وهو (المسك) فانه بعض دم الغزال وقد فاق على سائر الدماء - ففيه تشبيه حال الممدوح بحال المسك تشبيها ضمنيا - والتشبيه الضمني هو تشبيه لا يوضع فيه المشبه والمشبه به في صورة من صور التشبيه المعروفة، بل يلمحان في التركيب لافادة أن الحكم الذي أسند إلى المشبه ممكن، نحو: المؤمن مرآة المؤمن.
(٢) الحمولة ما يحمل فيه ويوضع والمقصد من التشبيه وجود شيء أسود داخل أبيض واعلم أن التشبيه يعود فيه الغرض إلى المشبه يكون وجه شبهه أتم وأعرف في المشبه به، منه في المشبه، كما في السكاكي، وعليه جرى أبو العلاء المعري في قوله (ظلمناك في تشبيه صدغيك بالمسك) وقاعدة التشبيه نقصان ما يحكى - وشراح التلخيص اشترطوا الأعرفية ولم يشترطوا الاتمية، وفي المطول والأطول ما يلفت النظر - فارجع اليهما.
(٣) التشبيه المقلوب: ويسمى المنعكس، هو ما رجع فيه وجه الشبه إلى المشبه به وذلك حين يراد تشبيه الزائد بالناقص ويلحق الأصل بالفرع للمبالغة، وهذا النوع جار على خلاف العادة في التشبيه، ووارد على سبل الندور وانما يحسن في عكس المعنى المتعارف كقول البحتري
في طلعة البدر شيء من محاسنها وللقضيب نصيب من تثنيها
والمتعارف تشبيه الوجوه الحسنة بالبدور، والقامات بالقضيب في الاستقامة، والتثنى لكنه عكس ذلك مبالغة - هذا إذا أريد الحاق كامل بناقص في وجه الشبه، فان تساويا حسن العدول عن (التشبيه) إلى الحكم (بالتشابه) تباعداً واحترازا من ترجيح أحد المتساويين على الآخر، كقول أبي اسحاق الصابي
تشابه دمعي إذ جرى ومدامتي فمن مثل ما في الكأس عيني تسكب
فو الله ما أدرى أبا لخمر أسلبت جفوني أم من عبرتي كنت أشرب
وكقول الصاحب بن عباد
رق الزجاج وراقت الخمر فتشابها وتشاكل الامر
فكأنما خمر ولا قدح وكأنما قدج ولا خمر.

<<  <   >  >>