لمَ ولد باكياً مع أنه فارق الظلمة إلى النور؟ وضيق الرحم إلى سعة الدنيا؟ قالوا لأنه فارق مكانه الذي ألفه .. وما هو بذلك، ولكنه تألم، لأنه عانى ضغط الخروج على أعضائه الغضة اللدنة، فصرخ .. ضغط عليه فتألم فصرخ .. هذه هي طبيعة الإنسان الحي، بل قل: إنها أول ما يبدو من طبائع الإنسان وخصائصه منذ أن يستقل في وجوده عن أي إنسان آخر ... فالشعور بالحرية ملازم لشعور الإنسان بالحياة .. والشعور بالاضطهاد ملازم لشعوره بالحرية.
[خواطر حول مولود]
يا وليدي الجديد! لست أدري لِمَ لم أفرح كثيراً بولادتك، كما فرحت بإخوتك وأخواتك؟ أهو لأني مريض متألم؟ أم لأني حزين متشائم؟ أهو لأن معين السرور قد غاض في نفسي، فما عدت أشعر بدواعي الفرح تهزني كما كانت من قبل؟ ولمَ ذلك؟ ألأني فارقت الشباب؟ أم لأني أتحرك وأحس وأعمل بنصف ما يعمل الرجل الصحيح ويحس ويتحرك؟ أم لأن تجارب الحياة علمتني أن أكثر أفراحنا من صنع أوهامنا، وأكثر ملذاتنا تولد في خيالاتنا قبل أن تشعر بها جوارحنا؟ أم لأن الزمان الذي نعيش فيه كثر هرجه، والأرض التي نسرح عليها كثرت فتنتها، والأمة التي ننتمي إليها أثخنتها جراحها؟.