الشكوى من رجال الحكم طبيعة في الأمم، وقلَّ أن تجد في التاريخ حاكماً استطاع أن يرضي الناس جميعاً، ولعل منشأ ذلك: أن أهواء الناس متعددة، ومنافعهم متضاربة، وكل منهم يريد تحقيق مصلحته، وليس يستطيع الحاكم ذلك ما دام في الدولة قانون يحكم، وشرع يسود، ومن هنا يقول شاعرنا:
إن نصف الناس أعداء لمن ... ولي الأحكام! هذا إن عدل
أما إذالم يعدل: أما إذا حاد عن طريق الحق، واتبع أهواء النفس، واستغل منصبه لتقريب الأنصار ولو كانوا بلهاء، وإبعاد الخصوم ولو كانوا أكفاء، فكل الناس أعداء له، وأول أعدائه في الحقيقة أولئك الذين يدوس حرمة القانون ليقربهم إليه، وليحقق لهم أغراضهم ومصالحهم. وبذلك اعتاد الشعب خلال ربع قرن كامل أن ينفر من كل حكومة قائمة، ويرى في كل قانون تسنه قيداً جديداً ترهق به ماليته وحريته وكرامته.
وذلك يوم كان المستعمر الراحل هو الذي يعين الحكام، وهو الذي يؤلف الوزارات، وهو الذي يأتي إلى الحكم برجال لا تعترف الأمة لهم بفضل ولا بوطنية ولا بإخلاص، وأصبح التذمر لنا