للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا ويدل علي بعد فكر المرجئة عن الحق، فلو أن شخصاً صدق بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم لكنه أبى أن يعمل بجوارحه ما أمر به كالصلاة مثلاً، وأصر على إبائه حتى قدم لضرب عنقه وهو مصر على إبائه، فإنهم يزعمون بأنه قد يكون مؤمناً في الباطن، ونحن لا ندري حتى وإن كان ظاهره الكفر الصريح.

وهذا افتراض كاذب لا وجود له إلا في الذهن؛ إذ لو كان مصدقاً بقلبه لما فضل أن تضرب عنقه على الامتثال لأمر ربه، وهو يعلم أن الأحكام في الدنيا إنما تجري على حسب ما يظهر من أفعال الإنسان، ثم رضي أن يموت كافراً في نظر المسلمين وراضياً بالأحكام التي سيعامله بها المسلمون بعد موته من عدم الصلاة عليه، وعدم دفنه في مقابر المسلمين، وأنه لا يورث إلى غير ذلك (١) .

يقول شيخ الإسلام رحمة الله: "ومن هنا يظهر خطأ جهم بن صفوان ومن اتبعه؛ حيث ظنوا أن الإيمان، مجرد تصديق القلب وعمله، ولم يجعلوا أعمال القلب من الإيمان، وظنوا أنه قد يكون الإنسان مؤمناً كامل الإيمان بقلبه وهو مع هذا يسب الله ورسوله، ويعادي أولياء الله ويوالي أعداء الله، ويقتل الأنبياء، ويهدم المساجد، ويهين المصاحف، ويكرم الكفار غاية الكرامة، ويهين المؤمنين غاية الإهانة.

قالوا: وهذه كلها معاصي لا ينافي الإيمان الذي في قلبه، بل يفعل هذا وهو في الباطن عند الله مؤمن، قالوا: وإنما يثبت له في الدنيا أحكام الكفار؛ لأن هذه الأقوال أمارة على الكفر ليحكم بالظاهر. كما يحكم بالإقرار والشهود وإن كان في الباطن قد يكون بخلاف ما أقر به وبخلاف ما شهد به الشهود" (٢)

* * * * * * * * * * * * * *


(١) انظر كتاب الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية ص٢١٨-٢١٩
(٢) انظر مجموع الفتاوى ٧/ ١٨٨

<<  <  ج: ص:  >  >>