للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثاله: ما لو قيل في حديث النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع، (١) مع آية الأنعام: إن النهي مشترك بين الحرمة والكراهة، فيكون الجمع بينه وبين الآية الكريمة ممكنا، وإعمال الدليلين أولى من إهمالنا.

بخلاف ما لو قلنا: إن النهي حقيقة في الحرمة خاصة، فيكون ناسخا، وهذا فرض مثال فقط.

ومثل له بعضهم بما لو قال صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: صلوا وقت كذا، ثم أمر بالطواف في ذلك الوقت، فعلى أن الطواف مشترك بين معناه المعروف، وبين الصلاة، فلا تعارض، وعلى أنه مفرد، يكون الأمر الثاني ناسخا.

أما ما قاله في نثر الورود هنا من أن ذلك لا يتصور إلا في الاشتراك بين معنيين متضادين، فمراده به ـ على ما يظهر ـ: أن الاشتراك إذا كان بين معنيين متخالفين، لا يقع التقابل بينه وبين النسخ، لعدم التضاد، فنسبة كل من معنييه لمعنى النص المقابل سواء، فالتقابل إنما يقع بينهما إذا كان الاشتراك المحتمل بين معنيين متضادين، لأن معنى اللفظ على تقدير الإفراد، إذا لم يكن ضد معناه الاخر على تقدير الاشتراك، لم يرتفع بالحمل عليه التعارض المقتضي للمصير إلى النسخ.

وهذا غير بين، فإن التعارض المقتضي للقول بالنسخ، يرتفع بالحمل على معنى مخالف، وبيان ذلك بالمثال: أنا لو افترضنا نصا بعدم الاعتداد بالقروء، أمكن الجمع بينه وبين النص الوارد بالاعتداد بالقروء، بحمل القرء على الاشتراك بين معنيين متخالفين، بأن يقال: القرء مشترك بين الشهور مثلا والحيض، والمراد في الإثبات مثلا الحيض، وفي النفي الشهور، وهكذا أيضا إذا حملناه على الاشتراك بين معنيين متضادين، وقلنا المراد في الإثبات أحدهما، وفي النفي غيره، فلا تعارض، فلا نسخ.

وهذا وهم سرى له من تضاد الناسخ والمنسوخ كما ذكره، والتضاد في النسخ لا يستلزم التضاد بين متعلق المنسوخ وبدله.

وأما حمل كلامه على عدم تعدد النص، وأن اللفظ إن حمل على الاشتراك كان ناسخا


(١) متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>