وما ذكره من أن كل مجاز راجح منقول، أبين، فأعظم أمارات الحقيقة التبادر، والمعروف في المنقول أيضا بقاء استعماله في المنقول عنه، عكس ما يدعي القائل بالفرق بين المجاز الراجح، والحقيقة العرفية، وذلك كقوله سبحانه وتعالى جل من قائل:(تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم)(١)
أجمع إن حقيقة تمات … على التقدم له الأثبات
معناه أن حقيقة اللفظ إذا أميتت، بحيث صار لا يستعمل فيها جملة، حمل على مجازه باتفاق، ومثلوا لذلك بالحلف عن الأكل من النخلة، فيحنث بالأكل من ثمرها، فالنخلة لا تستعمل في مثل هذا السياق في حقيقتها التي هي الجذع.
وعلى هذا فالمراد بإماتتها: انتصاب القرينة القاطعة على عدم إرادتها، خلاف ما يتبادر من اللفظ، والله سبحانه وتعالى أعلم.
والحاصل أن أحوال اللفظ من حيث الحمل على الحقيقة أو المجاز أربعة، لأن الحقيقة إما أن تكون أكثر في الاستعمال، كما هو الأصل أو تكون مساوية، فتقدم على المجاز في الوجهين، حيث لا قرينة على إرادته، أو تكون مرجوحة، وهي مسألة أبي يوسف وأبي حنيفة ـ رحمهما الله سبحانه وتعالى ـ أو تكون مماتة فيقدم المجاز قولا واحدا.
وهو حقيقة أو المجاز … وباعتبارين يجي المجاز
معناه أن اللفظ المستعمل في معنى، يكون حقيقة، كالأسد في السبع.
ومجازا، كالأسد في الرجل الشجاع.
وحقيقة ومجازا باعتبارين، كالصلاة فهي حقيقة شرعا في الأفعال المعروفة، مجاز في الدعاء، وهي لغة على عكس ذلك، فهي حقيقة في الدعاء، مجاز في العبادة المخصوصة، ولا يمكن أن يكون حقيقة ومجازا باعتبار واحد، لأنهما وصفان متناقضان.
وحصر اللفظ في ما ذكر بناء على أن الكناية حقيقة، أو مجاز، وأما على القول بكونها واسطة، فلا ينحصر في الثلاثة كما نبه عليه في نثر الورود.
(١) فقد ذكرت في الآية الكريمة الطهارة والزكاة والصلاة مستعملة ـ في ما يظهر ـ في معانيها اللغوية، والله سبحانه وتعالى أعلم.