للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وأشار بقوله: وإن تعاقبا فذا هو الاصح، إلى أن المتماثلين إذا تعاقبا، بأن تراخى ورود الثاني منهما عن السابق ـ ولا يكون ذلك بعطف، لأن العطف إنما يعهد في الكلام الواحد ـ فالأصح أنهما أمران، لأن الأصل التأسيس لا التأكيد.

وقيل: الثاني مؤكد للسابق، لأن الأصل براءة الذمة، والأصل في المكرر التأكيد.

وقيل: بالوقف، وإلى هذين القولين أشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله: والضعف للتأكيد والوقف رجح.

وهذا ما لم يمنع من التأكيد مانع عقليا كان، أو شرعيا، أو عاديا، كما أشار إليه ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله: إن لم يكن تأسس البيت.

ومثال المانع العقلي أن يقول: اقتل زيدا، اقتل زيدا، فتكرر قتله ممتنع عقلا.

ومثال المانع العادي أن يقول: اسقني ماء، اسقني ماء، أو أطعمني أطعمني، فالعادة الاكتفاء بالسقي مرة واحدة، والأكل مرة واحدة، وأن مثل ذلك إنما يراد به التأكيد، لا تعدد السقي أو الأكل.

ومثال المانع الشرعي أن يقول: أعتق زيدا، أعتق زيدا، أو تصدق بشيئك كذا، تصدق بشيئك كذا، لعين السابق.

وإن كان الأمر بمتماثلين مع العطف ـ ولا يكون ذلك إلا في فور ـ فالمعول أيضا أنهما أمران لأن العطف يغاير التأكيد، وقيل إن الثاني مؤكد للأول.

وإلى هذا أشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بالبيت الأخير.

وحاصل معنى الأبيات: أن الأمر إذا تكرر قبل الامتثال، فإن كان الثاني غير مماثل للأول، فهما أمران بلا خلاف، سواء كان هناك عطف أو لا، سواء كانا خلافين أو ضدين، سواء كان ذلك في فور واحد، أو على التعاقب.

وإن كان الثاني مماثلا للسابق، فإما أن يكون مع العطف أو لا، فإن كان مع العطف فهما أمران أيضا، لأن العطف ينافي التأكيد.

وقيل: الثاني مؤكد، لأن الأصل براءة الذمة، فلا ينتقل عنه بمحتمل.

وإن كان دون عطف، فالصحيح المنسوب للأكثرين أيضا أنهما أمران، سواء كانا في

<<  <  ج: ص:  >  >>