للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وإن بقي فساده كمن رجع … عن بث بدعة عليها يتبع

أو تاب خارجا مكان الغصب … أو تاب بعد الرمي قبل الضرب

وقال ذو البرهان إنه ارتبك … مع بقاء النهي للذي سلك

مذهب الجمهور أن من توسط أرضا مغصوبة ـ مثلا ـ ثم تاب وتوجه للخروج واختار أقل الطرق ضررا، وأقربها، فخروجه واجب، لا تحريم فيه، وإن وجد فيه اعتباران: الشغل، والتفريغ، لأنه لا يمكن الإتيان بالتفريغ إلا بالشغل، قال القاضي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: هذا هو المختار، وكذلك القول في كف الزاني عن الزنى، قال ابن برهان ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: وهذا مما أجمع عليه كافة الفقهاء والمتكلمين، وقال أبو هاشم: خروجه كلبثه، لأنه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، وذلك قبيح لعينه.

وقال إمام الحرمين ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: هو مرتبك في المعصية بحكم الاستصحاب، مع انقطاع تكليف النهي.

واسنبعد قوله، إذ ليس في الشرع معصية من غير نهي، قاله بمعناه في البحر.

وقال ابن الحاجب ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في مختصره: وأما من توسط أرضا مغصوبة، فحظ الأصولي فيه: بيان استحالة تعلق الأمر والنهي معا بالخروج اهـ

قال التاج ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: فإنه تكليف بالمحال، فيتعلق التكليف بواحد منهما يعينه الفقيه، والفقيه يقول: يؤمر بالخروج، كما يؤمر المولج في الفرج الحرام بالنزع، وإن كان به مماسا للفرج الحرام، ولكن يقال: انزع على قصد التوبة، لا على قصد الالتذاذ، فكذلك الخروج من الغصب، فإن أهون الضررين يصير واجبا بالإضافة إلى أعظمهما اهـ

وقال الإمام أبو إسحاق الشاطبي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في موافقاته: متعاطي السبب قد يبقى عليه حكمه، وإن رجع عن ذلك السبب، أو تاب منه، فيظن أن المسبب يرتفع حكمه برجوعه عن السبب، ولا يكون كذلك.

مثاله: من توسط أرضا مغصوبة، ثم تاب وأراد الخروج منها، فالظاهر الآن أنه لما أمر بالخروج، فأخذ في الامتثال، غير عاص، ولا مؤاخذ، لأنه لم يمكنه أن يكون ممتثلا عاصيا في حالة واحدة، ولا مأمورا منهيا من جهة واحدة، لأن ذلك تكليف ما لا يطاق.

<<  <  ج: ص:  >  >>