فلا بد أن يكون في توسطه مكلفا بالخروج على وجه يمكنه، ولا يمكن مع بقاء حكم النهي في نفس الخروج، فلا بد أن يرتفع عنه حكم النهي في الخروج.
وقال أبو هاشم: هو على حكم المعصية، ولا يخرج عن ذلك إلا بانفصاله، عن الأرض المغصوبة.
ورد الناس عليه قديما وحديثا.
والإمام ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ أشار في البرهان إلى تصور هذا وصحته، باعتبار أصل السبب الذي هو عصيان، فانسحب عليه حكم التسبب، وإن ارتفع بالتوبة، ونظر ذلك بمسائل.
وهو صحيح باعتبار الأصل المتقدم، فإن أصل التسبب أنتج مسببات خارجة عن نظره، فلو نظر الجمهور إليها، لم يستبعدوا اجتماع الامتثال، مع استصحاب حكم المعصية إلى الانفصال عن الأرض المغصوبة.
وهذا أيضا ينبني على الالتفات إلى أن المسبب خارج عن نظره، فإنه إذا رأى ذلك وجد نفس الخروج ذا وجهين:
أحدهما: كون الخروج سببا في الخلوص عن التعدي بالدخول في الأرض، وهو من كسبه.
والثاني: كونه نتيجة دخوله ابتداء، وليس من كسبه بهذا الاعتبار، إذ ليس له قدرة عن الكف عنه.
ومن هذا، مسألة من تاب عن القتل بعد رمي السهم عن القوس، وقبل وصوله إلى الرمية، ومن تاب من بدعة بعد ما بثها في الناس، وقبل أخذهم بها، أو بعد ذلك وقبل رجوعهم عنها، ومن رجع عن شهادته بعد الحكم بها، وقبل الاستيفاء.
وبالجملة بعد تعاطي السبب على كماله، وقبل تأثيره، ووجود مفسدته، أو بعد وجودها وقبل ارتفاعها إن أمكن ارتفاعها، فقد اجتمع على المكلف هنا الامتثال مع بقاء العصيان.
فإن اجتمعا في الفعل الواحد كما في المثال الأول، كان عاصيا ممتثلا، إلا أن الأمر