فأما ما لا يتأتى من مفعوليه كلام يفهم، كقولك: أعطيت زيدا درهما، فهذا يجوز الاقتصار فيه على أحد المفعولين، إذ تقول إذا أردت بيان المعطى: أعطيت درهما، ويبقى المعطى له مجملا.
وإذا قصدت بيان المعطى له، قلت: أعطيت زيدا، والقدر المعطى مجمل، والإطعام من جنس الإعطاء، وقد ذكر الرب ـ سبحانه وتعالى ـ أحد مفعوليه، وهو المعطى لهم، وجرد القصد إلى بيانه، وترك مقدار الطعام وجنسه مجملا، فالتأويل المذكور إلغاء لما صرح به وتقدير في محل الاحتمال.
الثاني: عدم تسليم ما قيل من استواء سد خلة فقير واحد ستين يوما، وسد خلة ستين مسكينا يوما، لاحتمال أن يكون إحياء مهج أقوام معدودين مقصودا للشارع، واللفظ دال عليه اهـ بتصرف.
ولم يستبعد المازري ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ تأويل الحنفية المذكور، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وأشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بالبيت الثاني إلى حمل الحنفية أيضا حديث " أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فنكاحها باطل، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "(١) على الصبية، أو الأمة أو المكاتبة، لصحة تزويج الحرة الكبيرة نفسها عندهم قياسا على المال، فهو بعيد، أما الصبية فلأن المرأة لا تطلق على الصبية، وأما الأمة فلقوله:" فلها المهر " وقصره على المكاتبة قصر للعموم على صورة نادرة، فيكون كاللغز، والندور يقتضي عدم الإرادة، والعموم في الحديث لأجل الشرط، وأما ترك الاستفصال المذكور في بعض الشروح فلم أفهم المقصود به.
وأشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بالبيت الثالث، إلى ما جاء عن الحنفية من حمل
(١) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.