للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والنفي للصلاة والنكاح … والشبه محكم لدى الصحاح

أشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ إلى أن مذهب الأكثرين في نحو " لا صلاة إلا بطهور " (١) و " لا صيام لمن لم يجمع الصيام قبل الفجر " (٢) و " لا نكاح إلا بولي " (٣) أنه ليس بمجمل، خلافا للقاضي أبي بكر الباقلاني ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ فقد ذهب إلى أنه مجمل، قائلا: لا يصح نفي المسمى في هذه المواضع، لوجوده حسا، فلا بد من تقدير شيء، وهو متردد بين الصحة والكمال، ولا مرجح لواحد منهما.

وأجيب بمنع عدم المرجح، فالمجاز بعدم الصحة هو أقرب المجازات إلى الحقيقة، لأن الفاسد لا يعتد به، فكان في معنى المعدوم حسا، فيكون أرجح، فإن قامت قرينة في موضع على إرادة غير الصحة كالكمال، صير إليه، ولا إجمال مع ترجح أحد الاحتمالات، وإلا كان كل ما ليس بنص مجملا.

قال السيف الآمدي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: مذهب الكل أنه لا إجمال فيه، خلافا للقاضي أبي بكر وأبي عبد الله البصري ـ رحمهما الله سبحانه وتعالى ـ فإنهما قالا بإجماله، لأن حرف النفي دخل على هذه المسميات، مع تحققها، فلا بد من إضمار.

إلى أن قال: والمختار أنه لا إجمال في هذه الصور، لأنه لا يخلو إما أن يقال بأن الشارع له في هذه الأسماء عرف، أو لا عرف له فيها، بل هي منزلة على الوضع اللغوي.

فإن قيل بالأول، فيجب تنزيل كلام الشارع على عرفه، إذ الغالب منه أنه إنما يناطقنا في ما له فيه عرف بعرفه، فيكون لفظه منزلا على نفي الحقيقة الشرعية من هذه الأمور، ونفي الحقيقة الشرعية ممكن، والأصل حمل الكلام على ما هو حقيقة فيه، وعلى هذا فلا إجمال، وإن كان مسمى هذه الأمور بالوضع اللغوي غير منفي.

وإن قيل بالثاني، فالإجمال أيضا إنما يتحقق أن لو لم يكن اللفظ ظاهرا بعرف استعمال أهل اللغة قبل ورود الشرع في مثل هذه الألفاظ في نفي الفائدة والجدوى، وليس


(١) رواه الدارقطني، وهو حديث ضعيف.
(٢) تقدم قريبا.
(٣) رواه أبو داوود والترمذي والدارمي وغيرهم، وهو حديث صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>