قال في الإرشاد: وذهب بعض المتأخرين إلى التفصيل، فقال: إن كانت علة المنطوق لا تحتمل التغيير، كإكرام الوالدين بالنهي عن التأفيف، امتنع نسخ الفحوى، لأنه يناقض المقصود، وإن احتملت النقض، جاز، كما لو قال لغلامه: لا تعط زيدا درهما، قاصدا بذلك حرمانه، ثم يقول: أعطه أكثر من درهم، ولا تعطه درهما، لاحتمال أنه انتقل من علة حرمانه إلى علة مواساته، قال: وهذا التفصيل قوي جدا اهـ وهو بين.
وبالمخالفة لا يرام
وهْي عن الأصل لها تجرد … في النسخ وانعكاسه مستبعد
أشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بهذا إلى ثلاث مسائل:
الأولى: عدم النسخ بمفهوم المخالفة، وهي المراد بقوله ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: وبالمخالفة لا يرام، وذلك لضعفه عن مقاومة النص.
قال الشربيني ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: لاحتمال القيد لأن يكون مخرجا على سبب من الأسباب، وبوجود النص يتقوى ذلك، بخلاف الفحوى، فإنها تنبيه بالأدنى على الأعلى اهـ
وصحح الشيخ أبو إسحاق الشيرازي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ جواز النسخ بالمخالفة، قال الزركشي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في البحر: ويحتمل وجها ثالثا، وهو التفصيل بين أقوى المفاهيم، وهو ما قيل فيه إنه منطوق، كالحصر، والشرط، وبين ما أجمعوا على أنه ليس بمنطوق اهـ
ومقتضى تعليل المانع بضعفها عن مقاومة النص، جواز نسخ مفهوم المخالفة بها، ثم رأيت العطار نظر في ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم.