للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

والثانية: جواز نسخ مفهوم المخالفة مع بقاء المنطوق، وذلك كقوله صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم: " إنما الماء من الماء " (١) فمفهومه الذي هو سقوط الغسل عن من جامع ولم ينزل، منسوخ بإيجاب الغسل من التقاء الختانين، ومنطوقه الذي هو وجوب الغسل من الإنزال باق، وهذا هو المراد بقوله ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: وهي عن الأصل لها تجرد في النسخ.

الثالثة: امتناع نسخ المنطوق دون المخالفة، وهي المراد بقوله ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ: وانعكاسه مستبعد، وقد ذكر الصفي الهندي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ في ذلك احتمالين، واستظهر منهما المنع، وحكى سليم الرازي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ عن بعض أصحابهم الجواز، قال: والمذهب أنه لا يجوز ذلك، نقله في الإرشاد.

ووجه المنع، أن المخالفة تابعة للمنطوق، لأن سبب اعتبارها، هو اعتبار المنطوق قيدا، فمتى ارتفعت قيديته بارتفاع اعتبار الدلالة عليها، كيف يثبت مفهوم القيد؟ قاله الشربيني ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ قال: فإن قلت يثبت لا من حيث إنه مفهوم القيد، قلت: حينئذ يثبت بلا حكمة، لانتفاء الحكمة التي كانت معتبرة شرعا، وهي ثقل المؤنة في المعلوفة مثلا، وانتفاء الحكمة ملزوم لانتفاء الحكم، لاستحالة بقائه بلا حكمة، وهذا بخلاف مفهوم الأولى، فإنه لا يلزم من انتفاء حكمة حرمة التأفيف مثلا، وهي غاية التعظيم، انتفاء حكمة حرمة الضرب مثلا، وهي أصل التعظيم اهـ

ويجب الرفع لحكم الفرع … إن حكم أصله يرى ذا رفع

معناه أن نسخ الحكم المقيس عليه، يقتضي نسخ حكم المقيس، لتبعيته له، وذهب بعض الحنفية إلى أنه لا يستلزمه، وذلك بناء على مذهبهم من أن حكم الأصل لا يضاف إلى العلة، وإنما يضاف إليها حكم الفرع، ولا تلازم بين العلة وحكم الأصل، فلا يكون نسخ حكم الأصل نسخا للعلة، فيبقى الفرع، وعلى مذهبهم في أن القياس مظهر لحكم الفرع، لا مثبت له.

قال في النشر: مثاله على ما حكاه أبو الوليد الباجي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ عنهم،


(١) رواه مسلم والترمذي والإمام أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>