للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بجائز بل ذاك للتشريع … أو نية الزلفى من الرفيع

التفكه: التلذذ، والتمتع، والزلفى: القربة والمنزلة.

والمعنى أن الأنبياء ـ على نبينا وعليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ لا يفعلون المباح تلذذا به وتشهيا، وإنما يفعلون ذلك بنية التقوي على الطاعات، والتشريع لأممهم، فأفعالهم كلها طاعات وقرب، ولا لغو في فعلهم، كما لا لغو في قولهم، عليهم أفضل الصلاة وأتم التسليم.

فالصمت للنبي عن فعل عَلِم … به جواز الفعل منه قد فُهِم

معناه أن سكوت النبي ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ على فعل علم به من غيره ـ سواء كان بحضوره أو لا ـ يستلزم جوازه، إذ لا يسكت ـ صلى الله تعالى عليه وسلم ـ على غير جائز، لوجوب تغيير المنكر عليه مطلقا.

وقيل: إنما يدل على الجواز، إذا لم يكن الفاعل كافرا، بناء على عدم خطابهم بالفروع.

واختلف القائلون به في المنافق، فألحقه بعضهم بالمسلم، لأنه في معناه من هذا الوجه، معاملة له بما يُظهر، ومنهم من ألحقه بالكافر.

وقيل: يدل على الجواز، ما لم يكن الفاعل ممن يغريه النهي.

ومذهب الجمهور أن ذلك يدل على الجواز في حق الفاعل وغيره، لأن الأصل استواء المكلفين، وذهب القاضي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ إلى أنه إنما يدل على الجواز في حق الفاعل خاصة، إذ لا عموم للفعل.

ومقتضى التعليل أن سكوته لا ينافي المرجوحية، وهو أبين.

وربما يفعل للمكروه … مبيِّنا أنهُ للتنزيه

فصار في جانبه من القُرَبْ … كالنهي أن يشرب من فم القِرَبْ

معناه أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قد يفعل الجائز المرجوح، لبيان جوازه، كشربه من فم السقاء (١) مع نهيه عنه، (٢)


(١) رواه الترمذي من حديث كبشة بنت ثابت وابن ماجة والإمام أحمد، وهو حديث صحيح.
(٢) رواه البخاري وابن ماجة والدارمي والإمام أحمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>