ومثال ذلك: اتفاق فرقة على وجوب الترتيب في الوضوء، وعدم وجوبه في قضاء الفوائت، واتفاق الطائفة الأخرى على وجوبه في قضاء الفوائت، وعدم وجوبه في الوضوء، إذا كان الصواب وجوبه فيهما معا، أو عدم وجوبه فيهما معا.
فمن نظر إلى أصل الترتيب، منع، ومن نظر إلى اختلاف متعلقه جوز، وهو الصواب. … وأما خطأ الجميع في مسألتين متباينتين، فجائز بلا خلاف.
كخطإ طائفة في مسألة في الوضوء، وخطإ الطائفة الأخرى في مسألة في البيع.
وأما خطؤهم في مسألة واحدة من وجه واحد فلا يجوز قطعا، لما تقدم.
وجعْل من سكت مثل من أقر … فيه خلاف بينهم قد اشتهر
فالاحتجاج بالسكوتي نمى … تفريعه عليه من تقدما
وهْو بفقد السخط والضد حري … معَ مضي مهلة للنظر
قوله - رحمه الله سبحانه وتعالى -: وجعل من سكت مثل من أقر البيت، معناه أنه اختلف في الساكت هل له حكم المقر، وبنوا على ذلك الاختلاف في الإجماع السكوتي.
فإذا قال بعض المجتهدين قولا في مسألة تكليفية اجتهادية، وعرف الباقون قوله، وسكتوا، فهل يكون ذلك إجماعا على قوله، أو لا؟
ذهب جماعة إلى أنه ليس بإجماع ولا حجة، وهو قول الغزالي والإمام وأتباعه، وهو اختيار القاضي أبي بكر، ونقل عن الإمام الشافعي - رحمهم الله سبحانه وتعالى أجمعين - لأن السكوت لا يتعين أن يكون عن موافقة.
وذهب الإمام أحمد ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ وأبو علي الجبائي إلى أنه إجماع وحجة بعد انقراض العصر، وهو أحد الوجهين عند الشافعية، وذلك لظهور سكوتهم في الموافقة.
وذهب أبو علي بن أبي هريرة إلى التفصيل بين قول الحاكم وغيره، فإذا كان القائل حاكما لم يكن إجماعا ولا حجة، وإلا كان إجماعا، لأن الاعتراض على الحاكم ليس من الأدب.
وذهب أبو هاشم بن أبي علي إلى أنه حجة، وليس بإجماع، لحصول الظن به، وهو المشهور عند الشافعية.