والوفق في الحكم لدى الخصمين … شرط جواز القيس دون مين
معناه أنه يشترط عند الجمهور في المناظرة بين الخصمين، أن يكون حكم الأصل متفقا عليه بينهما، ليتأتى إلزام الخصم بمذهبه.
بخلاف ما إذا لم يكن متفقا عليه، فإنه يحتاج عند توجه المنع عليه إلى إثباته، فينتقل إلى مسألة أخرى، فينتشر الكلام، ولا يشترط اتفاق الأمة عليه، خلافا لمن قال به، حتى لا يتأتى المنع بوجه.
ولا يشترط اختلافهما فيه، خلافا لمن قال به، حتى يتأتى للخصم منعه.
ومحل اشتراط اتفاق الخصمين، ما لم يسق المستدل حكم الأصل مقترنا بدليله، من نص أو إجماع ابتداء، وإلا كفى ذلك.
وإذا اتفق الخصمان على حكم الأصل، نظر، فإن اختلفا في العلة، فإن نازع السائل في علية وصف المستدل للحكم، فهو مركب الأصل، (١) لتركب أصله، بمعنى انبنائه على علتين، وذلك كقياس حلي البالغة، على حلي الصبية في سقوط الزكاة، فسقوط الزكاة في حلي الصبية متفق عليه بيننا وبين الحنفية، لكن سقوطها عندنا فيه، لكونه حليا مباحا، وعند الإمام أبي حنيفة - رحمه الله سبحانه وتعالى - لكونه مال صبية.
وإلى هذا أشار الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى - بقوله:
وإن يكن لعلتين اختلفا … تركب الأصل لدى لدى من سلفا
وإن نازع السائل في وجود علة المستدل في الأصل، فهذا هو المعروف بمركب الوصف، وسمي مركب الوصف، لتركيب المستدل فيه الحكم على وصف يمنع السائل وجوده.
ومثاله قياس الشافعية: إن تزوجت فلانة فهي طالق، على فلانة التي أتزوجها طالق، بجامع أن كلا تعليق طلاق أجنبية.
فالمالكية والحنفية يوافقون على عدم الطلاق في الأصل، الذي هو فلانة التي أتزوجها طالق، لكنهم يرونه تنجيزا لا تعليقا، وإلى هذا أشار الشيخ - رحمه الله سبحانه وتعالى -
(١) قال الشربيني - رحمه الله سبحانه وتعالى - المراد بالأصل، حكم الأصل، فهو المركب أي: المبني على علتين.