وقيل: بالعكس، وقيل: بتجويز ذلك كله، وهو رأي الأكثرين.
وأشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله: يبنى عليه القلب، إلى أن الاختلاف المذكور ينبني عليه الاختلاف في جواز القلب، بأن يعبر بالشاة عن الدار، وبالرجل عن الحصان، فعلى أنها توقيفية، يكون ذلك ممنوعا، وعلى أنها اصطلاحية، يكون ذلك جائزا.
وهذا غير بين، فإن التوقيف لا يقتضي التحجير في الخروج عنه، وقد صرح بذلك التاج السبكي ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ كما في الحلي.
وهذا الخلاف إنما هو في القلب لذاته، ولا ينافي أنه قد يمتنع لعارض، كما إذا وقع في الألفاظ المتعبد بها، أو ترتب عليه تلبيس في المواطن التي لا يجوز فيها ذلك، كما قال سبحانه وتعالى جل من قائل ـ في من يشبهون نساءهم بأمهاتهم ـ:(وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا)
فقد صرح أصحابنا بأن المنكر هنا الذي لا يعرف المراد منه، نحو قول سيدنا إبراهيم ـ على نبينا وعليه أفضل الصلاة وأتم التسليم ـ:(قوم منكرون)
ومن ذلك النهي عن لفظ: راعنا، وإن أريد به معنى صحيح، تجنبا لاحتمال المشتق من الرعونة، الذي كانت اليهود تقصد.
وأشار ـ رحمه الله سبحانه وتعالى ـ بقوله: والطلاق بكاسقني الشراب والعتاق، إلى أن الخلاف المذكور، ينبني عليه الاختلاف أيضا في لزوم الطلاق والعتق بالكناية الخفية، وهي كل لفظ أرادهما به، مما لا يدل عليه عرفا، فمن قال هي توقيفية، لم يقعا عنده بذلك، ومن قال هي اصطلاحية، ألزمهما بذلك.
ولا يتجه أيضا انبناء هذا عليه، إذ لا فرق في هذا المعنى بين الكناية الخفية والكناية الظاهرة، بل ولا بينها وبين اللفظ الصريح، فإنه قد يكون غير موضوع أولا للطلاق، أو العتق، فالحكم على اللفظ بكونه صريحا أو كناية مبني على العرف لا على الوضع الأول، ولو قيل إن المختلفين في هذا الفرع لم يخطر ببالهم هذا الأصل أصلا، لكان قريبا، وإعمال هذه الألفاظ في مثل هذه الأبواب مبني على معان ومدارك أخرى، متقررة في تلك المواطن، كالتشوف للحرية، والاحتياط للفروج، وكون الأصل براءة الذمة، وتبعية الأمور للمقاصد،