وقد أثر عن الإمام أبي حنيفة أنه يقدم القياس على أحاديث الآحاد، والحقيقة التي نقلها الشعراني في كتابه " الميزان " هي أن الإمام أبا حنيفة تبرأ من هذا الادعاء وقال: «كَذَبَ وَاللهِ وَافْتَرَى عَلَيْنَا مَنْ يَقُولُ إِنَّنَا نُقَدِّمُ القِيَاسَ عَلَى النَصِّ وَهَلْ يُحْتَاجُ بَعْدَ النَصِّ إِلَى القِيَاسِ». كما أنكر الإمام الكرخي القول بتقديم الأحناف القياس على أحاديث الآحاد وقال:«لَمْ يَقُلْ أَصْحَابُنَا - أَيْ الأَحْنَافُ - بِذَلِكَ بَلْ نُقِلَ عَنْهُمْ أَنَّ خَبَرَ الوَاحِدِ مُقَدَّمٌ عَلَى القِيَاسِ، أَلاَ تَرَى أَنَّهُمْ عَمَلُوا بِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الصَّائِمِ إِذَا أَكَلَ وَشَرِبَ نَاسِيًا، أَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ، وَإِذَا كَانَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ»، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:«لَوْلاَ الرِّوَايَةَ لَقُلْنَا بِالقِيَاسِ»(١).
وقد نسب ابن أمير الحاج دعوى تقديم القياس على خبر الواحد إلى أحد فقهاء الحنفية وهو عِيسَى بْنُ أَبَانٍ المتوفى سَنَةَ ٢٣١ هـ.
والحقيقة أن التثبيت في قبلو أخبار الآحاد على الصورة التي عرفت إنما يرجع إلى فترة تاريخية معينة اكتشف فيها أن بعض أعداء الدين قد اختلقوا أحاديث ونسبوها إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبعد أن دونت السنة وكثرت الرحلات العلمية زالت هذه الشبهة وعاد الأمر إلى عصر الصحابة، وهو أن العبرة بتوافر الثقة في الراوي، فمن كان ثقة كان صادق الخبر ولو كان نفرًا واحدًا، ومن كان غير ذلك لا تقبل روايته وحسبنا أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان يرسل عنه رسولاً واحدًا في المهام المختلفة مهما كانت طبيعة المهمة وخطورتها، فقد كان الإمام عَلِيٍّ هو رسول اللنبي إلى مكة سَنَةَ تسع من الهجرة ليخبرهم أحكام الله في المشركين وقتالهم، كما كان قيس بن عاصم هو الموفد بأحكام الإسلام إلى عشيرته نيابة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كما كان معاذ بن جبل هو رسول النبي إلى اليمن، وكان غيرهم