ورحم اللهُ الإمامَ الشافعي إذ يقول في كتابه " الرسالة ": «ولم أحفظ من فقهاء المسلمين أنهم اختلفوا في تثبيت خبر الواحد ... فلا يجوز عندي عن عالم أن يُثبت خبر واحد كثيرًا، وَيُحِلُّ بِهِ، وَيُحَرِّمُ، ويردَّ مثله إلا من جهة أن يكون عنده حديث يخالفه، أو يكونَ ما سمع ومَنْ سمع منه أوثقَ عنده ممن حَدَّثَهُ خِلاَفَهُ، أو يكونَ من حدثه ليس بحافظ، أو يكونَ مُتَّهَمًا عنده، أو يَتَّهِمَ من فوقه ممن حدثه، أو يكونَ الحديث محتملاً معنيين، فَيَتَأَوَّلَُ فيذهبَُ إلى أحدهما دون الآخر»(١).
٢٨ - حَقِيقَةُ الظَنِّ المَنْسُوبِ لِلْسُنَّةِ:
لما كان ذلك فإن قول بعض العلماء إن الأئمة قاطبة يرون أن أحاديث الآحاد تفيد الظن ولا يعمل بها في العقائد والمعجزات أو في الشؤون الدستورية والحدود أمر ليس صحيحًا حتى لو ظل بعض المدرسين بالجامعات ينقل هذا بغير إدراك لهذه النتائج. إن من يرون أن هذا الحديث ظني الثبوت لديهم شبهة في صحة نسبة الخبر إلى النبي، فالحديث المذكور غير مقطوع بصحته في فهمهم أما الظن الوارد في القرآن الذين يستندون إليه، فموضوعه هو قول الله تعالى عن الكفار:{إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلاَئِكَةَ تَسْمِيَةَ الأُنْثَى، وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الحَقِّ شَيْئًا}[النجم: ٢٧، ٢٨].
فادعاء الكفار أن الملائكة إناث وأنهم بنات الله، وأن الله اصطفى البنات على البنين كما ورد في قوله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ، أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ، أَلاَ إِنَّهُمْ مِنْ إِفْكِهِمْ لَيَقُولُونَ، وَلَدَ اللَّهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ، أَصْطَفَى الْبَنَاتِ عَلَى الْبَنِينَ، مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [الصافات: ١٤٩ - ١٥٤]. ظن باطل