ولما كان الأحناف يرون أن الحديث المستفيض يوجب العلم به، وكان حديث الآحاد في اصطلاحهم هو ما رواه في الطبقات الثلاث (الصحابة والتابعين وتابع التابعين) عدد لا يبلغ حد التواتر، وكان حد التواتر من خمسة رواة فأكثر.
وكان من الاصطلاح عندهم أن الحديث إن اشترك في روايته اثنان أو أكثر يسمى عزيزًا، وإن كان الرواة في أي طبقة أكثر من ثلاثة سمي مشهورًا ومستفيضًا. فإنه لا يوجد ضوابط يعتمد عليها للتفرقة بين الآحاد والمشهور أو المتواتر، إذ أن زيادة رَاوٍ وَاحِدٍ لحديث الآحاد ينقله إلى المشهور وزيادة رَاوٍ وَاحِدٍ إلى الخبر المشهور يجعله متواترًا، فضلاً عن أن هذه الشروط لم تكن عند صحابة رسول الله فقد كان حديث الآحاد عندهم مقبولاً في العقائد وغيرها. والقرآن يثبت الحقوق بشهادة اثنين من العدول.
وعلى ذلك فلا يحل لمسلم أَنْ يَرُدَّ حديثًا صحيحًا أو أن يزعم أن العمل به غير جائز في أمور العقيدة أو في المعجزات أو في الشؤون الدستورية أو في العقوبات أو الحدود، ولو جاز هذا المنطق لما وجد ما يمنع هؤلاء أو غيرهم من القول بأن أحاديث الآحاد لا يعمل بها في الأمور الاقتصادية لخطورتها أو في المعاملات لأهميتها، وبالتالي يصبح الإسلام طقوسًا أو لا يحكم حياة الناس ومعاملاتهم ويخضع لقاعدة (دَعْ مَا لِقَيْصَرْ لِقَيْصَرْ، وَمَا للهِ للهِ)، أو يصبح الإسلام اشتراكية علمية حسب الأسلوب الأخير للبلاشفة، وهو الزعم بأن الماركسية نظام اقتصادي ولا شأن له بالأديان، والمسلم الذي يطبق العدل الماركسي إنما يطبق الإسلام.
وتكون النتيجة أن الإسلام لا يمنع أن نأخذ بالماركسية كنظام اقتصادي أو بالرأسمالية كنظام عالمي، ورحم اللهُ أئمة المذاهب الجماعية فلو كانوا يعلمون أن تقسيم الحديث سيؤدي إلى هذه النتائج ما أقروا التقسيم.