إذا كان فقهاء السلف، قد اختلفوا في شيء من أمر السنة النبوية فإنما كان هذا الخلاف حول الاصطلاحات والمفاهيم، فمن فهم أن السنة النبوية لا تستقل بتشريع الأحكام بل تأتي تبعًا للكتاب وتبنى على أصل عام منه، يوجب العمل بالسنة كلها حتى لو جاءت بحكم جديد، وبالتالي فهذا الفريق لا يرد الأحكام الواردة في السنةالنبوية بل يبحث عن أصل عام في القرآن ويربطها به حتى ولو كانت سنة زائدة عما جاء في القرآن، وتكون النتيجة العملية هي الأخذ بالسنة كلها وهنا يلتقي هذا الفريق مع من قال أن السنة تستقل بتشريع الأحكام.
وهذا هو حال علماء السلف - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ -، ولكن بعض طلاب العلم بنى على هذا الخلاف قضية أخرى تنتهي بحكم آخر وهو حصر نطاق السنة في تفسير القرآن وَرَدِّ ما جاء في السنة النبوية زائدًا عما في الكتاب الكريم - وبالتالي يستحلون كثيرًا من المحرمات ويردون جانبًا من الحدود - والعقوبات بل إن بعضهم يعلل ذلك بأنه يدافع عن السنة النبوية (١).
وهذه هي وسيلة المستشرقين للطعن على الدين، فالمستشرق اليهودي (جولدتسيهر)
(١) ذهب إلى ذلك الشيخ محمود أبو رية في كتابه " أضواء على السنة المحمدية " وتابعه السيد صالح أبو بكر في " الأضواء القرآنية "، انظر البند ٦٩.