إن الذين قالوا إن أحاديث الآحاد تفيد وجوب العمل بها، ولا تفيد العلم الجازم، لا يريدون بذلك إنكار ما ورد بهذه الأحاديث أو رفض ما جاء بها، فمثلاً قد روى البخاري ومسلم عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يدعو في الصلاة بعد التشهد وقبل السلام، فيقول:«اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ القَبْرِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ فِتْنَةِ المَحْيَا، وَفِتْنَةِ المَمَاتِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ المَأْثَمِ وَالمَغْرَمِ» كما أورد الإمام مسلم هذا للدعاء في رواية لأبي هريرة فيها قال رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنَ [التَّشَهُّدِ الآخِرِ]، فَلْيَتَعَوَّذْ بِاللهِ مِنْ أَرْبَعٍ» وذكرها.
فهذا الدعاء وغيره من الأفعال الواردة في سُنَّةِ الآحَادِ، يعمل به هؤلاء الذين يقولون إن هذه الأحاديث ظنية الثبوت ومنهم من يتوقف في الإيمان بعذاب القبر والمسيح الدجال، لأنه اعتقاد قلبي والعقيدة عندهم لا تثبت إلا بدليل من القرآن الكريم أو السنة النبوية المتواترة.
أما الذين يقولون بأن أحاديث الآحاد توجب العلم والعمل مَعًا فيرون استحالة القول بوجوب العمل فقط لأن المسلم لا يتعبد بشيء إلا إذا اقترن ذلك بصحة هذا العمل وصدق الدليل الذي جاء به، لأن الله تعالى يقول:{وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ}[الإسراء: ٣٦]. وقد نهى تعالى عن القول بشيء لا يؤمن بصحته فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ