إن الذين يبتغون التقسيم المحدث للسنة النبوية ويقولون إن أحاديث الآحاد ظنية الثبوت فلا يعمل بها في العقائد أو الشؤون الدستورية أو العقوبات أو الشؤون الاقتصادية أو المعجزات، لا ينكرون أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ما أرسل أبدًا إلى قوم إلا آحادًا، وخولهم إبلاغ قومهم أمور الدين كله، بما فيها العقائد والحلال والحرام، كما أن الصحابة الذين كانوا يصلون إلى بيت المقدس وجاءهم فرد واحد أبلغهم بأن قرآنًا نزل وَحَوَّلَ القبلة إلى الكعبة، قبلوا هذا الخبر وتحولوا في صلاتهم على الفور.
إن الخلاف في شأن أحاديث الآحاد الذي من أجله نشأ التقسيم هو في طبيعة هذا الخبر، هل يوجب العلم به أم يوجب العمل دون العلم؟ فيرى بعض العلماء أنه قطعي الثبوت أي يوجب العلم به، ويرى الشافعي ومالك وأبو حنيفة، كما يرى آخرون أنه يوجب العمل ولا يوجب العلم، ولقد أجاب الأئمة أحمد بن حنبل وداود وابن حزم بأنه لا عمل بغير علم. ولكن الذين يوجبون العمل دون العلم أنه لا ارتباط بين وجوب العلم ووجوب العمل، إذ يكفي لوجوب العمل الظن الراجح والعلم لا يكون إلا باليقين (١).