للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فتقسيم السنة إلى متواتر وآحاد، وكذا الخلاف بشأنه أمر نظري لا يؤثر على العمل، قال الإمام الغزالي: «وَمَا حُكِيَ عَنْ المُحَدِّثِينَ [مِنْ] أَنَّ ذَلِكَ يُوجِبُ العِلْمَ، فَلَعَلَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّهُ يُفِيدُ العِلْمَ بِوُجُوبِ العَمَلِ؛ إذْ يُسَمَّى الظَّنُّ عِلْمًا».

وهذا يؤكد أن الخلاف في المصطلح لا أثر له من الناحية العملية، فالكل يوجب العمل بأحاديث الآحاد (١) إذا توفرت فيها شروط الحديث.

فمثلاً الإمام مالك يرى أن عمل أهل المدينة هو بمثابة نقل جماعي عن عصر النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبالتالي إن جاء حديث الآحاد مخالفًا لهذا العمل قَدَّمَ عمل أهل المدينة لأن الحديث لم يثبت عنده إذا تطرق الشك إليه، وهذا كان محتملاً بسبب الفتنة التي وقعت، أما عمل أهل المدينة فلم يتطرق إليه الشك وعليه فمن قال إن الإمام مالك يرد سنة الآحاد مطلقًا قد أساء وتعدى.

كما أنه في هذه الفترة نقل عن الإمام أبي حنيفة أنه يقدم القياس على أحاديث الآحاد. وحقيقة أنه لم يقدم القياس على أحاديث ثبت صحتها، لأنه كان يشك في بعض الرواة، واشترط للعمل بخبر الآحاد شروطًا لم يشترطها غيره، لأنه كان في الكوفة موطن الحروب والفتن آنذاك.

وما كنا بهذا لنلتمس للإمام عذرًا فنحن عيال على فقهه ومائدته، إنما نكشف عن الواقع والحقيقة، لقد قال الإمام أبو حنيفة: «كَذَبَ وَاللهِ وَافْتَرَى عَلَيْنَا مَنْ يَقُولُ إِنَّنَا نُقَدِّمُ القِيَاسَ عَلَى النَصِّ وَهَلْ يُحْتَاجُ بَعْدَ النَصِّ إِلَى القِيَاسِ» (٢) كما قال: «لَوْلاَ الرِّوَايَةِ لَقُلْتُ بِالقِيَاسِ». ولكن أبا حنيفة يرد خبر الآحاد إذا


(١) " أصول الحديث " للدكتور الخطيب: ص ٣٠٣ تعليق بالهامش.
(٢) " الميزان " للإمام [الشعراني]: ص ٥١ و" مناهج الاجتهاد ": ص ٦٠١.

<<  <   >  >>