للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان لديه شك في روايته، وعنده إذا خالف الراوي الخبر وعمل بنقيضه شك في الرواية، وإذا كان الخبر في أمر تعم به البلوى فالأصل أن يرويه جمع عن جمع، فإن رواه واحد، تطرق الشك في هذه الرواية وقدم القياس عليها، لأن الظن قد تسرب إلى هذا الخبر بينما القياس مستنده القرآن أو السنة المتواترة وهذه قطعية الثبوت، وبهذا لا يقال إن الإمام أبا حنيفة يقدم القياس على أحاديث الآحاد. قال ابن أمير الحاج: «إذَا تَعَارَضَ خَبَرُ الوَاحِدِ وَالقِيَاسُ بِحَيْثُ لاَ [جَمْعَ] بَيْنَهُمَا، قُدِّمَ الخَبَرُ مُطْلَقًا عِنْدَ [الأَكْثَرِ] مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ»، وإنما نسب القول بذلك في الجملة إلى أحد فقهاء الحنفية وهو عيسى بن [أبان] (*) المتوفى سنة ٢٢١ هـ (١).

وقال الإمام الدهلوي: ويكفيك دليلاً على هذا قول المحققين إن هذا مذهب عيسى بن أبان ولقد زال سبب هذا الظن بتمحيص الروايات تمحيصًا لم يشهد التاريخ مثله، وقد شهد غير المسلمين بذلك أمثال برناردشو وكارليل وباسورث فقد أظهروا إعجابهم بطريقة علم مصطلح الحديث وخصوصًا علم الجرح والتعديل.

وقد أوضح هذا الإمام الشافعي إذ قال: إن بعض الأحاديث لم تبلغ علماء التابعين - أي الطبقة التالية للصحابة -، فأخذوا بالقياس والقواعد العامة واجتهدوا. ولهذا فإن الطبقة التالية لهم وهي طبقة تابعي التابعين - أي الطبقة الثالثة -، لم تعمل بهذه الأحاديث ظنًا أن التابعين تعمدوا عدم العمل بها لنسخها أو لعلة في بعض رواتها، واستمروا في أخذ الحكم الشرعي بطريق الاجتهاد على الرغم من وجود النص في المسالة.

وقد أعلن الشافعي أنه يجب طرح القياس وعمل أهل المدينة في المسائل


(١) " الإنصاف " للدهلوي: ص ٩٢.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر صفحة ١٧٧ من هذا الكتاب.

<<  <   >  >>