التي تثبت أن حكمها قد وردت به سنة صحيحة، لأن الصحابة والتابعين من بعدهم لم يكن لديهم ما ينسخ هذه الأحاديث أو يقدح فيها، ومن لجأ إلى أخذ الحكم الشرعي من عمل أهل المدينة أو القياس لم يكن لديه علم بهذه الأحاديث، أو لم يكن قد تأكد من صحة نسبتها إلى النبي بسبب الفتنة والخلافات.
وبعد تدوين السنة وزوال الفتن وتوفر الأحاديث وتمحيصها ومعرفة الصحيح والضعيف والموضوع زال سبب التوقف في العمل بأحاديث الآحاد.
فمثلاً حكم خيار البيع في مجلس العقد ورد به حديث نبوي ولكن لم يعرفه فقهاء المدينة السبعة، وأخذوا بالقياس، كما عمل أهل المدينة بخلافه، وبالتالي رأى مالك وأبو حنيفة أن عدم العمل بالحديث علة تقدح فيه، وقدم الأول عمل أهل المدينة عليه كما قدم الآخر حكم القياس، ولكن الإمام الشافعي توفر له وسائل تحصيل السنة وتمحيصها بسبب الرحلات العلمية وبسبب تدوين السنة وتمحيصها فقد الحديث وعمل به (١).
فهل يقبل من مسلم اليوم أن يرد الحديث ويقدم القياس عليه على الرغم من أنه قد روه البخاري ومسلم بلفظ:«إِذَا تَبَايَعَ الرَّجُلاَنِ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، وَكَانَا جَمِيعًا، أَوْ يُخَيِّرُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ».
وهل يحل لمن يتولون تدريس الفقه الإسلامي بالمعاهد والجامعات أن يهدروا هذا النص استنادًا إلى القياس أو عمل أهل المدينة الذي لجأ إليه أبو حنيفة ومالك لعدم ثبوت الحديث في عصرهما، إن ذلك لا يجوز في دين الله تعالى.
(١) " الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف " للإمام الدهلوي: ص ٨٣.