إذا كان قد نقل عن الإمام مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه يقدم عمل أهل المدينة على أحاديث الآحاد، وعن الإمام أبي حنيفة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - أنه يقدم القياس على سنة الآحاد.
فذلك كان قبل تدوين السنة وتمحيصها ومعرفة الصحيح منها وغير الصحيح، وبالتالي فكان عمل أهل المدينة أو القياس أكثر اطمئنانًا عندهما من الحديث الذي لم يثبت، وهما لا يقدمان شيئًا على الحديث الصحيح، ومن ثم نقل عنهما وعن غيرهما إذا صح الحديث فهو مذهبي.
من أجل ذلك رحل محمد بن الحسن (صاحب أبي حنيفة) من العراق إلى المدينة، والتقى الإمام مالك وقرأ عليه " الموطأ " ثم قارنه بما لدى شيخه أبي حنيفة من أحكام، بحيث إذا وجد في مذهب الأحناف حكمًا يخالف حديثًا صحيحًا أثبت الحكم من الحديث وترك القياس (١).
ولم يكن " صحيح البخاري " أو " مسلم " موجودًا حتى يرجع إليهما الفقيه محمد بن الحسن.
(١) " حجة الله البالغة " و" الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف " للإمام ولي الله الدهلوي: ص ٥٢، ٥٣.