للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثابت من أحاديث الآحاد ولو خالف عمل أهل المدينة، كما أخذوا بالرأي عند انعدام النص، وأيضًا لجأ الإمام الشافعي إلى القياس وتوسط فيه، وقد كان يأخذ به، ومن ثم قال ابن قدامة في كتابه " المغني ": «إن التفرقة بين المسلمين باختلاف المذاهب والآراء وتعصب كل شيعة لمذهب في الأصول والفروع هو من أكبر الكبائر الثابتة بنصوص الكتاب والسنة» (*).

٣٧ - الاِجْتِهَادُ بَيْنَ العُلَمَاءِ وَالعَوَامِّ:

الأصل في الإسلام أن يأخذ المسلم الحكم الشرعي من الكتاب والسنة، لأنه لا عصمة لأحد حتى تصبح أقواله أو أفعاله شرعًا من الله لا تحمل مخالفة وأقوال أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم ليست ملزمة بذاتها بل بما استندت إليه من الكتاب والسنة النبوية.

لقد نص على ذلك هؤلاء الأئمة، فقال الإمام أحمد بن حنبل: «لاَ تُقَلِّدْنِي وَلاَ تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلاَ الشَّافِعِيَّ، وَلاَ الأَوْزَاعِيَّ، وَلاَ الثَّوْرِيَّ، وَتَعَلَّمْ كَمَا تَعَلَّمْنَا» (**).

وقال الشافعي: «[وَبِالتَّقْلِيدِ أَغْفَلَ مَنْ أَغْفَلَ مِنْهُمْ]» ( ... )، و «مَثَلُ الذِي يَطْلُبُ العِلْمَ بِلا حُجَّةٍ مَثَلُ حَاطِبِ لَيْلٍ يَحْمِلَ حِزْمَةٍ مِنْ حَطَبٍ فِيهَا أَفْعَى تَلْدَغُهُ وَهُوَ لاَ يَدْرِي» (١).

ثم جاء ابن حزم وقال: «التَّقْلِيدُ حَرَامٌ» ويعني به أن يأخذ المسلم كل أقوال إمام من الأئمة دون أن يردها إلى الكتاب والسنة، ولكنه كغيره يدرك أن العوام ليست لديهم هذه القدرة، ولهذا قال على هؤلاء أن يسألوا من يعتقدون أنه أعلم أهل البلد بحكم الله ورسوله وليس بمذهب فلان أو قوله. وليعلم الجميع أن هؤلاء الأئمة ما خالفوا حديثًا صحيحًا إلا لسبب من الأسباب السابق ذكرها، وبالتالي فإن أصاب أحدهم فله أجران وإن أخطأ فله أجر حسبما هو ثابت بالحديث النبوي في " صحيح البخاري " و" مسلم ".


(١) " الوجيز في العبادات ": للمؤلف: ص ٣.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) لم أجد قول ابن قدامة هذا في " المغني ".
(**) قارن بما ورد في صفحة ١٨٧ من قول الإمام أحمد بن حنبل.
( ... ) انظر " الرسالة " للإمام الشافعي، تحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر: ص ٤٢، الطبعة الأولى: ١٣٥٨ هـ - ١٩٤٠ م، نشر مكتبه الحلبي، مصر. تصوير دار الكتب العلمية. بيروت - لبنان.

<<  <   >  >>