فإن اعتقد أحد من المسلمين في علم إمام وتقواه فأخذ عنه حكمًا ثم تبين أنه قد خالف الحديث النبوي فليس عليه ذنب، لأنه قبل أن يعلم بالحكم الصحيح الثابت في الحديث النبوي لم يكن قد خالف شيئًا فالله تعالى يقول:{لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، والنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يقول:«إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ» رواه الإمام مسلم.
وعلى هذا لا يجوز النيل من هؤلاء الأئمة والعلماء فهم ورثة الأنبياء بهم حفظ الله هذا الدين.
كما أن اجتهاد غير العلماء قد يؤدي إلى التنطع في الدين، بل وإلى الضلال، فمثلاً قال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كما رواه مسلم:«سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ» فأوضح لنا هؤلاء الأئمة أن معنى الكفر هنا هو الكفر بنعمة الإيمان وليس الكفر المخرج عن الملة لأن الله تعالى قال: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات: ٩](١).
ومن الأحاديث النبوية ما كان الغرض منه الترغيب أو الترهيب أو الوعيد وهذا لا يدركه إلا العلماء.
فقد روى أبو داود أن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال:«لَعَنَ اللَّهُ زَوَّارَاتِ القُبُورِ». ومع هذا رخص وأجاز بعضهم للنساء زيارة القبور فحملوا الحديث على الترهيب لما رواه " مسلم " وغيره عن النبي في قوله: «كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ القُبُورِ، فَزُورُوهَا» ولأدلة أخرى عندهم منها نسخ الحديث الأول.
(١) يرجع في تفصيل ذلك إلى كتاب " الحكم وقضية تكفير المسلم " للمؤلف.