للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالذين اتبعوا الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وآمنوا بصدق رسالته، يصدقون بكل ما جاء في السنة النبوية، ويستوي في هذا الأحكام العملية وغيرها، إذ يكفي في ثبوت صدورها عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - العلم القريب من اليقين.

٣٠ - أُمُورُ العَقِيدَةِ وَالتَّوَقُّفُ فِي بَعْضِ السُنَّةِ:

لهذا فالذين توقفوا في شيء من أحاديث الآحاد، إنما فعلوا ذلك لأن الحديث لم يثبت عندهم، ومن القبيل ما رواه الإمام مسلم أن عبد الله بن عمرو (*) كان يأمر النساء إذا اغتسلن أن ينفضن رؤوسهن، فسمعت عائشة أم المؤمنين ذلك فقالت: يَا عَجَبًا لابْنِ عَمْرٍو هَذَا يَأْمُرُ النِّسَاءَ [إِذَا اغْتَسَلْنَ] أَنْ يَنْقُضْنَ رُؤُوسَهُنَّ. أَفَلاَ يَأْمُرُهُنَّ أَنْ يَحْلِقْنَ رُؤُوسَهُنَّ، «لَقَدْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ. وَلاَ أَزِيدُ عَلَى أَنْ أُفْرِغَ عَلَى رَأْسِي ثَلاَثَ إِفْرَاغَاتٍ».

لذلك نجد الإمام أحمد بن حنبل قد صرح بأن حديث الآحاد يفيد العلم بنفسه (١).

وأحاديث الآحاد التي كانت محلاً للتوقف أو الظن هي التي رويت خلافًا للقواعد الشرعية الثابتة، ومن ثم وجد الشك في صدق الراوي أو قدرته على الحفظ، ومن قبيل ذلك ما رواه أصحاب الكتب الخمسة من أن فاطمة بنت قيس شهدت عند أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بأنها طلقت ثلاثًا فلم يجعل لها رسول الله نفقة ولا سكنى، فرد عمر شهادتها وقال: «لاَ نَتْرُكُ كِتَابَ اللهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ، لاَ نَدْرِي لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ (**)، لها النفقة والسكنى».


(١) " توضيح الأفكار ": جـ ١ ص ٣٧٠.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ورد في الكتاب المطبوع (عبد الله بن عمر) والصواب (عبد الله بن عمرو بن العاص) انظر " الجامع الصحيح " للإمام مسلم، ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي: (٣) كِتَابُ الحَيْضِ (١٢) بَابُ حُكْمِ ضَفَائِرِ المُغْتَسِلَةِ، حديث رقم ٣٣١، ١/ ٢٦٠. الطبعة الثانية: ١٩٧٢ م، نشر دار إحياء التراث العربي. بيروت - لبنان.
(**) في هذا يقول الدكتور مصطفى السباعي - رَحِمَهُ اللهُ -: إن قول عمر «لاَ نَدْرْي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ» لم يرد في كتاب من كتب الحديث قاطبة، وقد بحثت في كل مصدر استطعت الوصول إليه من مصادر الحديث في مختلف دُورِ الكُتُبِ العامة فلم أعثر على من ذكره بهذا اللفظ، بل الذي فيها «حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ» ولم يرد ذلك اللفظ إلا في بعض كتب الأصول، كـ " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " مَعْزُواً إلى " صحيح مسلم "، وليس في " مسلم " إلا «حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ» وقد نَبَّهَ شارح " مُسَلَّمَ الثُبُوتِ " إلى هذا فقال: «وَالمَحْفُوظُ فِي " صَحِيحِ مُسْلِمٍ" " حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ "»، انظر " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للدكتور مصطفى السباعي: ص ٢٦٤، ٢٦٥ الطبعة الثالثة - بيروت: ١٤٠٢ هـ - ١٩٨٢ م، المكتب الإسلامي: دمشق - سوريا، بيروت - لبنان. وانظر اَيْضًا: رأي الدكتور نور الدين عتر حيث يقول: «وأما زيادة "أصدقت أم كذبت" فلا أصل لها في رواية الحديث، وقد استغلها أعداء الإسلام، والعجب أن يذكرها بعض الكاتبين في "أصول الحديث" أو أصول الفقه، ثم يعزوها لمسلم اَيْضًا، ومسلم وغيره منها براء!!» " منهج النقد في علوم الحديث " للدكتور نور الدين عتر، ص ٥٣، الطبعة الثالثة: ١٤٠١ هـ - ١٩٨١ م، نشر دار الفكر دمشق - سورية.

<<  <   >  >>