[٤] ومن أسباب الخلاف الفقهي اختلاف أصحاب المذاهب الجماعية في شروط العمل بأحاديث الآحاد، وهو الحديث الذي رواه شخص واحد في عصر الصحابة وعصر التابعين وعصر تابع التابعين، فكان بعض الأحناف يقدمون عليه القياس، فقالوا بوجوب صوم يوم آخر على من أكل أو شرب ناسيًا في الصوم، بينما عارضهم الإمام الشافعي بالحديث الذي رواه الجماعة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلفظ:«مَنْ نَسِيَ - وَهُوَ صَائِمٌ -، فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ، فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللهُ وَسَقَاهُ»(١). والسرخسي يوجب القضاء لمن بلغ جوزة والصوم فات ركنه عند ابن دقيق [العيد].
كما كان الإمام مالك يجعل من شروط العمل بأحاديث الآحاد ألا تخالف عمل أهل المدينة ومن ثم قال مالك بوجوب قضاء يوم، فأجاب الشوكاني: لو ردت الأحاديث بمثل هذا ما بقي من الحديث إلا القليل (٢).
تَوْحِيدُ المَذَاهِبِ وَجِنَايَةُ التَّفْرِقَةِ:
وإذا كان مثل هذا الخلاف قد قام في عصر هؤلاء الأئمة حيث لم تكن جميع الأحاديث النبوية جمعت ومحصت، وبالتالي كانت هناك أسباب لتقديم القياس أو عمل أهل المدينة على أحاديث الآحاد غير المشهورة، فلا مجال اليوم لمثل هذا الخلاف إذ قد زال السبب سالف الذكر بتمحيص السنة النبوية وجمعها، فاستكمل أصحاب المدارس الفقهية ما لديهم من أوجه النقص، فمثلاً عدل الأحناف عن تقديم القياس على حديث الآحاد فعملوا بحكم إتمام الصوم لمن أكل أو شرب ناسيًا، كما أخذ المجتهدون من المالكية بالصحيح
(١) و (٢) يرجع إلى البند ٢٥ و ٣٢ وإلى " المبسوط " للسرخسي: جـ ٣ ص ١٣٦، و" فقه السنة " لشيخ سيد سابق: جـ ١ ص ٣٩٣، و" مناهج الاجتهاد ": الفصل الثالث، و" نيل الأوطار ": جـ ٤ ص ٢٨٤.