للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المؤمنين عثمان، ونقل أهل كل بلد عن هؤلاء الصحابة. فلماذا يكون المنقول عن بعضهم من الأعمال حجة عما نقله الآخرون؟ ثم كيف يصبح عمل بعضهم حجة يقدم على الحديث الصحيح؟ لهذا أيضًا رفض الإمام مالك أن يكون كتابه " الموطأ " هو المرجع الوحيد لدولة الخلافة، ولهذا أيضًا توقف نافع عن فتياه بحل الرهن والكفالة في الورق والفضة والطعام إلى أجل مسمى، وذلك عندما علم أن الحسن لا يقول بذلك، ونافع مولى ابن عمر من كبار فقهاء أهل المدينة الذين أخذ عنهم الإمام مالك، بينما الحسن البصري ليس من هؤلاء بل من العراق.

فضلاً عن ذلك فالإمام مالك نفسه يقول: «إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أُخْطىءُ وَأُصِيبُ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي فَكُلُّ مَا وَافَقَ الكِتَابَ وَالسُنَّةَ فَخُذُوا بِهِ، وَكُلُّ مَا لَمْ يُوَافِقْ الكِتَابَ وَالسُنَّةَ فَاتْرُكُوهُ».

ومثله قال الإمام الشافعي: «كُلَّ مَسْأَلَةٍ صَحَّ فِيهَا الخَبِرُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ أَهْل النَّقْلِ بِخِلاَفِ مَا قَلَتُ فَأَنَا رَاجِعٌ عَنْهَا فِي حَيَاتِيِ وَبَعْدَ مَوْتَي» (١).

وقال الإمام أحمد: «لاَ تُقَلِّدْنِي وَلاَ تُقَلِّدْ مَالِكًا وَلاَ الثَّوْرِيَّ وَلاَ الأَوْزَاعِيَّ، وَخُذْ مِنْ حَيْثُ أَخَذُوا (*)» (١). وقد اختلف الفقهاء في المراد من عمل أهل المدينة (٢):

أ - فقيل هو إجماع أهل المدينة فيكون حجة من جهة النقل أو الاجتهاد. (" الإحكام " لابن حزم: جـ ١ ص ١٤، و" كشف الأسرار " للبزدوي: جـ ٣ ص ٩٦١،و" إرشاد الفحول " للشوكاني: ص ٨٢، وقيل إجماع من جهة النقل فقط مثل نقلهم الصاع والأذان والإقامة والأوقات.

ب - وقيل إنه إجماع من طريق الاستدلال أي الاجتهاد فيما لا نص فيه وهذا اختلف فيه. (" مجموع الفتاوى " [لابن تيمية]: جـ ٢٠ ص ٣٠٦).


(١) " صفة صلاة النبي " للألباني: ص ٢٣،و" الوجيز في العبادات " للمؤلف: ص ٣.
(٢) لم يشر المؤلف في الهامش رقم (٢) إلى المصدر.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) انظر " إعلام الموقعين " لابن القيم، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم: ١٣٩، الطبعة: الأولى، ١٤١١هـ - ١٩٩١م، نشر دار الكتب العلمية - ييروت

<<  <   >  >>