للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن جماعة من الصحابة ثم عن أضعافهم من التابعين ثم عن الجم الغفير (١) ومثل هذا يكفي لإثبات هذه الأحاديث بيقين، ولكن الذين ضعفوا أمام مفتريات المستشرقين أرادوا الدفاع فأخطأوا السبيل، إذا أولوا صريح القرآن ليخدم مذهبهم، فما ورد عن الإسراء والمعراج في القرآن زعموا أن المراد به الروح وأن أحاديث الآحاد لا تصلح لإثبات العقائد والغيب (٢).

وآية انشقاق القمر، قالوا: المراد يوم القيامة مع أن هذه الآية مقترنة بقوله تعالى: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ، وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ} [القمر: ٢، ٣]، ولا يعقل أن يكون هذا التكذيب وهذا الأمر عن يوم القيامة وخصوصًا أن الآية التي بعدها هي: {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ، خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ} [القمر: ٦، ٧]. وذلك فضلاً عن الأحاديث الصحيحة في " البخاري " و" مسلم " وسائر كتب الحديث عن انشقاق القمر في عهد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الأمر الذي يقطع أن هذا كان معجزة للنبي وليس المراد انشقاق القمر يوم القيامة. فقد روى الترمذي والشيخان عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: «سَأَلَ أَهْلُ مَكَّةَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آيَةً، فَانْشَقَّ القَمَرُ بِمَكَّةَ [مَرَّتَيْنِ]، فَنَزَلَتْ {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ، وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} [القمر: ١، ٢]».

وفي رواية الترمذي: «انْشَقَّ القَمَرُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَارَ فِرْقَتَيْنِ: عَلَى هَذَا الجَبَلِ، وَعَلَى هَذَا الجَبَلِ (٢)، فَقَالُوا: سَحَرَنَا مُحَمَّدٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَئِنْ كَانَ سَحَرَنَا فَمَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْحَرَ النَّاسَ كُلَّهُمْ» (٣).


(١) قال ذلك ابن عبد البر وغيره - وقاله الحافظ في " الفتح " - كما ورد في تعليق " اللؤلؤ والمرجان ": ص ٧٨٨، ٧٨٩.
(٢) " الأعمال الكاملة ": ٥/ ٣٧.
(٣) " التاج الجامع للأصول ": جـ ٤ ص ٢٤٨، تفسير سورة القمر.

<<  <   >  >>