للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

نذكر من ذلك حكم ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية عند الذبح، فالأحناف يرون تحريم أكل هذه الذبيحة لعموم قول الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (١)، بينما يرى جمهور الفقهاء أن هذه الذبيحة حلال، لأن هذه الآية قد خصصها الحديث النبوي: «ذَبِيحَةُ المُسْلِمِ حَلاَلٌ ذَكَرَ اسْمَ اللَّهَ أَوْ لَمْ يَذْكُرْ» (٢) كما خصصها ما رواه " البخاري " عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: [قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَا هُنَا أَقْوَامًا حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِشِرْكٍ]، يَأْتُونَا بِلُحْمَانٍ لاَ نَدْرِي [يَذْكُرُونَ] اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا أَمْ لاَ، قَالَ: «اذْكُرُوا [أَنْتُمُ] اسْمَ اللَّهِ، وَكُلُوا».

وأيضًا يثور السؤال إذا كان العام والخاص من النصوص الشرعية في مرتبة واحدة مثل الحديث الذي أورده الإمام مسلم بشأن زكاة الأموال إذ قال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فِيمَا سَقَتِ الأَنْهَارُ، وَالغَيْمُ [العُشُورُ]، وَفِيمَا سُقِيَ [بِالسَّانِيَةِ] نِصْفُ العُشْرِ». فهذا حكم عام في جميع الزروع والثمار قلت أو كثرت، ولكن قد ورد نص خاص في نفس الدرجة وهو قول النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَةٌ» (٣)، فهذا الحديث جعل نصاب هذه الزكاة خمسة أوسق، وما قل عن ذلك لا تجب فيه الزكاة وبهذا قال جمهور الفقهاء، ولكن الأحناف يوجبون الزكاة في القليل والكثير من الزروع والثمار. لأن العام عند الأحناف قطعي الدلالة مثل الخاص فيكون الحديثان من درجة واحدة في الثبوت وهي الظنية ومن الدلالة وهي القطعية فلا يقوى أحدهما على تخصيص الآخر، بينما يرى الجمهور أن العام ظني الدلالة فإن كان في القرآن ومتواتر السنة تقوي سنة الآحاد على تخصيصه لأنها قطعي الدلالة (٤).


(١) [سورة الأنعام، الآية: ١٢١].
(٢) " سبل السلام شرح بلوغ المرام ": جـ ٤ ص ١٣٩.
(٣) رواه مالك ورواه مسلم بلفظ آخر.
(٤) " مناهج الاجتهاد ": ص ٦٠٥.

<<  <   >  >>