وهذا النقصان ليس له أثر في الفقه الإسلامي إلا في الشهادة على الأموال (١) وذلك حفظًا للحقوق، كما هو الحال في اشتراط أربع شهود من الرجال لإقامة حد الزنا وشهادة المرأة وحدها في الولادة.
ولا يختلف أحد أنه توجد فوارق بين الرجل والمرأة في بعض الأمور، ولكن الفوارق في هذا الحديث في أمر ضئيل ومحصور في موضوع الشهادة، وهذا لا يمنع أن تروي المرأة أحكام الإسلام كالرجال، فإذا ما اعتقد أحد جدلاً أن رواية «خُذُوا نِصْفَ دِينِكُمْ عَنْ عَائِشَةَ» حديث عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فلا يتعارض هذا مع وصف النساء بنقصان العقل لأنه وصف معلل بما ورد في القرآن الكريم، من النسيان الطارئ الموجب أن يكون شهادتها في الأموال نصف شهادة الرجل، وهذا لا علاقة له برواية الحديث عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لأن هذه الرواية لا تقوم بها إلا المرأة الذاكرة الحافظة، وهذا التخصص في هذا العلم لا يتحقق إلا للعالمات بأمور الدين والحافظات الذاكرات، أما الوصف العام بنقصان العقل فقد أورد النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سببه وهو النسيان في المعاملات المالية والتجارية، فالنسيان خاص بهذا فقط، فلا يشمل الأمور العلمية والاجتماعية والقانونية أو غيرها.
وأكبر شاهد على ذلك أن أم المؤمنين عائشة كانت من أهل العلم والفقه بل هي رائدة في ذلك بلا منازع، فقد روت عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ألفين ومائتين وعشرة أحاديث (٢٢١٠) واستدركت على أعلام الصحابة والفقهاء وصححت لهم عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وقد ذكر الزركشي
(١) قال الإمام القرطبي: «وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ فِي الأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا» " الجامع لأحكام القرآن ": جـ ٣. أي أن هذا النقص في الشهادة على الأموال فقط وهذا لا يعني جواز شهادتها في الحدود.