ولقد اقتضت حكمة الله تعالى أنْ يكون الرسول مبلِّغاً لهذا القرآن ومنفِّذاً لأحكامه، ومن ثم جعل الله للنبي صفة أخرى غير التبليغ وهي التبيان {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة: ٦٧]. كما قال تعالى:{بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ}[النحل: ٤٤].
وصفة البيان كما تكون بإبلاغ القرآن للناس كافة، تكون بتفصيل أحكامه العامة وتنفيذها، ولهذا وردت الآية بطاعة الله أي أحكامه الواردة في القرآن الكريم، وبطاعة الرسول أي أحكامه التي بيَّنَها وهي السُنَّة النبوية.
ولهذا أوجب الله طاعة الرسول والتزام سُنَّته فقال - عَزَّ وَجَلَّ -: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}[الحشر: ٧].
من أجل ذلك أوضح النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أنَّ السُنَّة من الله تعالى وهي مثل القرآن إذ يقول في الحديث الصحيح:«إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»(١)
١ - السُنَّةُ القَوْلِيَّةُ:
وبيان الرسول وإبلاغه للسُنَّة قد يكون بالقول مثل حديث:«لاَ يَرِثُ المُسْلِمُ الكَافِرَ وَلاَ يَرِثُ الكَافِرُ المُسْلِمَ» رواه البخاري ومسلم وغيرهما وحديث: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَجَسَّسُوا
(١) " سنن أبي داود ": ٤/ ٢٧٩، و" ابن ماجه ": ١/ ٦، و" الترمذي ": ٣/ ٣٧٤، و" المستدرك ": ١/ ١٠٩، و" الدارمي ": ١/ ١٤٠، و" ابن حبان " (" موارد الظمآن إلى زوائد ابن حبان " لليهثمي، تحقيق محمد عبد الرزاق حمزة: حديث رقم ٩٧ ص ٥٥).