للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وإنما في وصف هذا الحديث هل هو مخصص لحكم القرآن {الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ... } [البقرة: ١٨٠]، أم هو ناسخ لهذه الآية؟.

فالأحناف ومن معهم يرون أن الحديث ناسخ للآية لأنه دليل منفصل عنها وهو حديث مشهور ومتواتر في المعنى فيقوى على ذلك عندهم وغيرهم يرى أن الحديث مخصص للآية، لأن العام بعد التخصيص لا يبقى محتفظًا بقوته فيقوى خبر الواحد على تخصيصه.

والخلاصة أن الفقهاء يختلفون في مسالة نسخ السنة للقرآن فقد قال به ابن حزم لأن السنة وحي من الله، وقد ثبت أن قول الله {فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً} [النساء: ١٥] قد نسخه حديث: «خُذُوا عَنِّي، قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، البِكْرُ بِالبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ ... ». وآية الوصية للوالدين والأقربين نسخها حديث «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» (١).

وجمهور الفقهاء يرون أن السنة لا تنسخ القرآن بل تخصص عمومه، وهذا في جوهره خلاف في الاصطلاح فقط لأن الإجماع منعقد على العمل بحديث «لاَ وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ».

وحديث جلد الزاني الذي لم يسبق له الزواج ورجمه إن كان محصنًا أي سبق له الزواج، ولا يغير من هذه الحقيقة أن يقال: إن هذه الأحاديث النبوية قد نسخت هذه الآيات القرآنية أو خصصتها، فالنبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قد خصه الله ببيان أحكام القرآن الكريم بقول الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النحل: ٤٤]. وهذا البيان يكون بإبلاغ القرآن للناس جميعًا، ويكون بتفسير وتقييد ما جاء منها مطلقًا كما هو مفصل بالفصل السابع.


(١) " الإحكام ": جـ ٤ ص ٤٧٨.

<<  <   >  >>