للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولما بلغ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اجتهاد الطائفتين، لم ينكر على أي منهما فدلَّ سكوته على إقرار الاجتهاد في تنفيذ الأمر.

ومن قبيل السنة التقريرية أيضاً ما رواه أحمد وأبو داود وابن حبان والدارقطني والحاكم عن عمرو بن العاص قال: احتلمت في ليلة شديدة البرودة فأشفقت إنْ اغتسلت أنْ أهلك فتيمَّمْتُ ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، فلما قدمنا على رسول الله ذكروا ذلك له فقال - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَا عَمْرُو صَلَّيْتُ بِأَصْحَابِكَ وَأَنْتَ جُنُبٌ؟». فقلتُ: يا رسول الله ذكرت قول الله عز وجل {وَلاَ تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: ٢٩]، فتيمَّمت وصليت فضحك رسول الله ولم يقل شيئًا.

بهذا السكوت أقرَّ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - التيمم عند الخوف من حصول ضرر من الماء إما لمرض بالجلد، أو لبرد يضر الإنسان إذ استحمَّ بهذا الماء.

وأيضاً يستفاد من اختلاف الصحابة في فهم قول النبي: «مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُصَلِّيَنَّ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» ومن اختلافهم في فهم قول الله تعالى {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (*) [النساء: ٤٣] و [المائدة: ٦] أنَّ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أقرّ كل طائفة على اجتهادها في تنفيذ أوامر الشريعة.

والاجتهاد لا يكون في أصول الدين ومصادره (١) ولا يكون جَرْياً وراء الأهواء والمصالح ومن لا يجوز تأويل الفروع ووصفها بالأصول ليكون ذلك مبرِّراً للخلاف.


(١) " الإحكام في أصول الأحكام " للإمام علي بن حزم: جـ ٢ ص ٢٣٧ وما بعدها.

[تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
(*) ملاحظة: كتبت الآية خطأ في الكتاب المطبوع (فإن لم تجدوا ماء فتيمَّمُوا).

<<  <   >  >>