والوارد في " البخاري " ليس حديثًا نبويًا بل رواية من البخاري بسنده الصحيح عن عمر بن الخطاب: أَنَّهُ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّنَا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا» قَالَ: فَيُسْقَوْنَ.
ولكن المؤلف يضع بعقله قاعدة ليكذب البخاري والصحابة فيقول:«إن الصحابة لم يتوسلوا بالنبي في دعاء أو رجاء لأن الشرك الذي نص عليه القرآن وحرمه على المسلمين، لم يكن إلا توسل الناس بالصالحين». ثم يقول:«من باطن التوحيد وظاهره يصدر اعتقادنا ببطلان هذا الحديث وبطلان نسبته إلى أصحاب النبي»: ص ١٤٩.
وقد حرف الكلم عن مواضعه عندما قال:«إن الشرك هو التوسل بالصالحين»، فالشرك في القرآن عبادة الناس استقلالاً أو زلفى إلى الله حيث وصف ذلك بقوله:{مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}[الزمر: ٣]. أما التوسل بالصالحين في رجاء أو دعاء فليس شركًا، بل قد أخرج الترمذي والنسائي والطبراني عَنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، أَنَّ رَجُلاً ضَرِيرَ البَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ: «إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ، وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ». قَالَ: فَادْعُهْ، قَالَ: فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ، إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ، اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ»، قَالَ عُثْمَانُ:«فَوَاللهِ مَا تَفَرَّقْنَا [وَطَالَ بِنَا الْحَدِيثُ] حَتَّى دَخَلَ عَلَيْنَا الرَّجُلُ كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِهِ ضُرٌّ [قَطُّ]».
فالتوسل الممنوع هو التوسل بالأموات من غير الأنبياء ومخالفته ليست كفرًا أو شركًا (١) بل من المعاصي طبقًا للضوابط الشرعية.
(١) هذا الموضوع فصله المؤلف في كتابه " الحكم وقضية تكفير المسلم ": ص ١٦٨ - ١٨٤.