للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الفئات التي أخطأت بما لا يخرجها عن الإيمان مثل الخوراج والمعتزلة فلا يقال إنها ضمن أهل النار ومن ادَّعَى كفرها فقد تكلَّف بغير دليل من الشرع أو العقل (١)، وإنما يقال إنَّ أمرهم لا يخرج عن حكم العُصاة من المسلمين فهو متروك إلى الله إنْ شاء غفر وإنْ شاء عَذَّبَ. لقوله تعالى في سورة النساء: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: ٤٨ و ١١٦] (١).

ومع هذا قال شيخ الإسلام أحمد بن تيمية: «من قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منها يكفر كفراً ينقل عن الملة فقد خالف الكتاب والسُنَّة وإجماع الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -» (٢).

وهذا الرأي محل نظر فقد قال الإمام إبراهيم بن موسى الشاطبي في كتابه " الاعتصام ": «إنَّ هذه الفرق تحتمل من جهة النظر أنْ يكونوا خارجين عن الملة بسبب ما أحدثوا فهم قد فارقوا أهل الإسلام بإطلاق وليس ذلك إلا الكفر ... ويدل على هذا الاحتمال ظواهر من القرآن والسُنَّة كقول الله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} [الأنعام: ١٥٩]. ومن السُنَّة ذكر رواية للحديث نصها: «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الذِينَ يَقِيسُونَ الأُمُورَ بِرَأْيهِمْ، فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ يُحَرِّمُونَ الحَلالَ» (٣).

إنَّ هذا الحديث يؤكِّدُ ما تضمنته الطبعة الأولى والثانية من أنَّ الفرقة الناجية هو أهل القبلة فتشمل جميع طوائف المسلمين ويؤيِّدُ ذلك رواية ابن ماجه برقم ٣٩٩٢ وفيها: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ؟ قَالَ: «الْجَمَاعَةُ». وقد رجحت ذلك لأنَّ بعض الأفراد والجماعات يشيعون أنهم الفرقة الموصوفة في الحديث وغيرهم في النار، وهذا كما قال الإمام محمد بن عبد الوهاب، من صفات الجاهلية وهو ادِّعاء كل طائفة حصر الحق فيها (٤). وقد أبطل ابن تيمية هذا الرأي حيث ينبني عليه تكفير أهل البدع الذين هم من أهل الوعيد بمنزلة الفُساق والعُصاة (٥) ويكون قول النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «هُمْ فِي النَّارِ» أي مثل ما جاء في سائر الذنوب ولكن هذا لم يعجب أحد الدُعاة فاتَّهمنا بالجهل ومخالفة الإجماع وطلب الحجر علينا.


(١) ورد هذا المعنى في " تلبيس إبليس " لابن الجوزي: ص ١٨.
(٢) " مجموع الفتاوى ": ج ٧ ص ٢١٨.
(٣) " الاعتصام ": ج ٤ ص ١٩٠.
(٤) كتابه " مسائل الجاهلية ": ص ٣٣.
(٥) " مجموع الفتاوى ": ج ٣ ص ٣٤٦ وص ٣٥١.

<<  <   >  >>