وقد أجاب على ذلك الدكتور السباعي (١) أنه لم يجد: «لهذا الحديث [بهذا النص] أَثَرًا في كتب الحديث قاطبة، ولا في كتب الفقه والخلاف» ولكن ذكرها بعض علماء الأصول وهؤلاء يتساهل بعضهم في ذكر الأحاديث التي ليس لها أصل أو أصلها جاء من طريق ضعيف والسبب أن الحديث ليس صناعتهم ولا هو من اختصاصهم. والجدير بالذكر أنه قد شاع هذا الحديث في كتب أصول الفقه التي تدرس بالجامعات ومنهم من نسب هذا القول إلى السيدة عائشة كسبب لرد رواية أبي هريرة، وهؤلاء ينقلون عن بعض الكتب دون تحقيق في مدى ثبوت هذا الحديث، ومع هذا فليس فيما نقله الكاتب المسلم ما يدل على أن ابن عباس كَذَّبَ أبا هريرة أو طعن فيه بل رواية تخالف القواعد الشرعية.
كما نقل الكاتب أن عائشة رَدَّتْ رواية أبي هريرة عن النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَتَى اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِلْ يَدَهُ قَبْلَ أَنْ يَضَعَهَا فِي الإِنَاءِ فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي أَيْنَ بَاتَتْ يَدُهُ». قال الناقد البصير: إن عائشة لم تأخذ بالحديث حسب الثابت في كتاب " مسلم الثبوت ": (٢/ ١٧٨) إذ قالت: «[كَيْفَ] نَصْنَعُ بِالْمِهْرَاسِ؟»، ولكن المرجع الذي نقل عنه أحمد أمين وهو " شرح مسلم الثبوت " فيه قول الشارح: «قَالَ فِي التَّفْسِيرِ لَمْ يَثْبُتْ هَذَا مِنْهُمَا - أَيُّ مِنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ - وَإِنَّمَا ثَبَتَ مِنْ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ [قَيْنٍ] الأَشْجَعِيِِّ [وَفِيْ صُحْبَتِهِ خِلاَفٌ]» والحديث لم ينفرد به أبو هريرة بل رواه الترمذي عن ابن عمر.
كما أن النهي مخصوص بالماء المحفوظ في الإناء كما هو ثابت من رواية " مسلم "، ولكن الكاتب المسلم أغفل كل ذلك وأظهر ما يفيد تكذيب بعض الصحابة لأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، وهذا لم يحدث مطلقًا.
وإذا كان بعض الصحابة لم يعمل برواية لشكه في قدرة الراوي على تحمل الرواية إما لسوء حفظه أو غفلته أو غير ذلك، فلا يجوز للمسلم في عصرنا أن يجعل من ذلك سببًا في رد حديث قد ثبتت صحته عن النبي - صَلََّى
(١) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص ٣٠٧.