فالكفر في هذا الصدد هو نفسه الفسق وهو أيضًا الظلم، لأن هذه الأوصاف الثلاث قد ترد بمعنى الكفر المخرج عن الملة، كما في هذا الشأن، وفي قوله تعالى عن إبليس:{فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ}[الكهف: ٥٠]، وفي قوله تعالى:{إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}[لقمان: ١٣]. وقد ترد هذه الأوصاف بمعنى المعصية كما في سورة الحجرات عن السخرية والتنابز بالألقاب إذ قال الله عنه:{وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[الحجرات: ١١].
كما قال الله عن الجهاد في سورة التوبة:{فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}[التوبة: ٢٤]. وهذا الخطاب موجه إلى المؤمنين ولذلك كان الفسق بمعنى المعصية وأيضًا ورد الكفر بما يفيد المعصية في الحديث النبوي الذي رواه " مسلم " بلفظ: «سِبَابُ المُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَاله كُفْر»، لأن الله تعالى لم ينف الإيمان عن المسلمين الذين اقتتلوا، فقال تعالى:{وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا}[الحجرات: ٩]. وهكذا فإن كلمات الكفر والظلم والفسق قد ترد بمعنى الكفر المخرج عن الملة وقد تأتي بمعنى المعصية والذي يحدد المقصود هو سياق الآيات في كل موضوع وليس أهواء الناس ومصالحهم. وقد فصلت ذلك في كتاب " الحكم وقضية تكفير المسلم ".