قد تقصوا من كان آخر الصحابة مَوْتًا فتبين أنه عامر بن واثلة الذي مات سَنَةَ مائة وعشرة هجرية.
وقد قال الإمام ابن قتيبة في كتابه " تأويل مختلف الحديث ": ص ٦٧: أن الحديث قد أسقط الرواة منه حرفًا أي كلمة وهي (مِنْكُمْ) فيكون النص: «لاَ يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ مِنْكُمْ بَعْدَ مِائَةِ نَفْسٌ مَنْفُوسَةٌ».
والحقيقة أن هذا التأويل لا ضرورة له، فالرواية الكاملة للحديث في " البخاري " فيها: «لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ اليَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ».
كما أن رواية جابر للحديث في " صحيح مسلم " هي: «مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ اليَوْمَ، تَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمَئِذٍ» فاليوم بمعنى منكم.
لهذا قال الإمام النووي: هذه الأحاديث يفسر بعضها بعضًا وفيها علم من علوم النبوة. ولكن الكاتب المسلم قد بلغت به الجرأة للحكم على الحديث بالوضع وعلى رواته بالكذب على رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وعلى " البخاري " بعدم الدقة في البحث.
وكل هؤلاء قد افترى عليهم هذا الكاتب وتعلل بضرورة مطابقة الحديث للعقل والمنطق وادعى أنه يخالف القرآن، وقد ابتدع موازين للحكم على الحديث أهمها ألا يخالف العقل وآخرها ألا يخالف القرآن، وهو يعلم أو يجب أن يعلم أن النبي يقول:«إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ»، فالحديث مبين للقرآن بوحي من الله.
أما العقل الذي يريد الكاتب أن يجعله حاكمًا على الأحاديث النبوية، فوسيلته في المعرفة هي الحواس الخمس أو المعلومات السابقة والأحاديث النبوية لا تقضي أمورًا تخضع للحواس الخمس، أو لمعلومات الإنسان السابقة فأكثرها أحكام من الله تعالى عن الحلال والحرام أو الجنة أو النار أو الإخبار عن شيء لا يتصل بمعرفة الإنسان، وبالتالي لا يختص العقل بالحكم على هذه الأحاديث بالصحة أو البطلان لأنها تخرج عن اختصاص العقل، فقد ظن بعض الناس تعارض القرآن مع بعض النظريات العلمية وبعد ذلك تغيرت النظريات وكشف العلم صدق ما ورد في القرآن الكريم. الحديث والنص القرآني كلاهما من عند الله ويخرجان من مشكاة واحدة، قال تعالى:{وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا}[النساء: ٨٢].