للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا بَعْدَهُ ... فَاخْتَلَفُوا، وَكَثُرَ اللَّغَطُ، فَقَالَ: "قُومُوا عَنِّي، وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدِي التَّنَازُعُ "» (١)

وهذا يؤكد أَنَّ الكتابة لم تكن ممنوعة إلاَّ خشية اختلاط السُنَّة بالقرآن، فإذا زال هذا السبب كانت كتابة السُنَّة مطلوبة.

وفي هذا روى أحمد وأبو داود والحاكم وغيرهم عن عبد الله بن عمرو أنه قَالَ للنبي: إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ الشَّيْءَ [أَفَأَكْتُبُهُ؟]، قَالَ: «نَعَمْ»، قَالَ عَبْدُ اللهِ: فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَى؟ قَالَ النَّبِيُّ: «نَعَمْ، فَإِنِّي لاَ أَقُولُ إلاَّ حَقًّا» (٢).

وهذا وغيره مما لا مجال لحصره يرجِّحُ أنَّ النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نهى عن كتابة الحديث بقوله: «لاَ تَكْتُبُوا عَنِّي، وَمَنْ كَتَبَ عَنِّي غَيْرَ الْقُرْآنِ فَلْيَمْحُهُ» كما رواه مسلم في " صحيحه " وكما رواه غيره، إنما كان في أول أمر نزول القرآن مخافة أنْ يختلط بالسُنَّة النبوية، فلما زال هذا السبب أذن النبي في الكتابة. قال الإمام الصنعاني: «صَارَ الأَمْرُ لِلْجَوَازِ» (٣).

قال الرامهرمزي: «وحديث أبي سعيد - حرصنا أنْ يأذن لنا النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في الكتابة فأبى - أحسب أنه كان محفوظاً في أول الهجرة - وحين كان لا يؤمن الاشتغال به عن القرآن» (٤).


(١) " فتح الباري ": ١/ ٢١٨ و " صحيح مسلم ": ٣/ ١٢٥٧.
(٢) " مسند أحمد ": ٢/ ١٦٢ و ٢٠٧ و " أبو داود " (العلم ص ٣).
(٣) " المحدث الفاصل ": ص ٧١ نقلاً عن " أصول الحديث " للدكتور محمد عجاج الخطيب: ص ١٥٠.
(٤) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي " للأستاذ مصطفى السباعي: ص ٦١.

<<  <   >  >>