أولاً: كانت السُنَّةُ النبوية تتداول بالحفظ. ولهذا وجدنا الإسناد الذي اختص به علماء الحديث فصنَّفوا رُواة الأحاديث، ومدى اتصال روايتهم إلى الصحابة، ثم إلى رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ليميزوا بين ما روى عن الصحابي ولم يرفعه إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وعرفوا ذلك بالحديث الموقوف أي موقوف على الصحابي. كما بيَّنُوا ما رفع إلى النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وسمَّوْهُ بالحديث المرفوع. كما تعقَّبُوا الرُواة من حيث العدالة والثقة والحفظ فصنَّفوهم إلى (أوثق الناس) أو (ثقة ثقة) أو (ثقة حافظ) و (ثقة فقط) أو عدل وهكذا إلى مجهول الحال، وليِّنُ الحديث، وضعيف ومجهول ومتروك الحديث، أو متَّهم وكذَّب. ولقد كان من دقَّتهم في ذلك أنْ قال أحمد بن حنبل وأبو بكر الحُميدي (شيخ البخاري) وأبو بكر الصيرفي، وأخرين:«إنَّ من كذب على النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولو بحُسن نيَّة لا عبرة بتوبته في مجال الرواية، فلو تاب وحسُنتْ توبته لا تقبل روايته»، وقد رأى غيرهم أنَّ قواعد التوبة شرعاً تسمح بقبول رواية التائب، ولكن هؤلاء يحتاطون لأنَّ الأمر يتعلق برواية الحديث النبوي. ومِنْ دقَّتهم أنَّ العدالة لا تتوفر إلاَّ باجتماع أمور كثيرة، أما الجرح فيثبت بشيء واحد أي بقول شخص واحد، لأنَّ الجَرْحَ مُقدَّم على التعديل، فمن وثَّقه أشخاص
(١) رواه الشافعي في " الرسالة " واستدل به على حجية حديث الآحاد، كما رواه أحمد بن حنبل: جـ ١ ص ١٨٣ و ٢٢٥ و ٤٣٧ ورواه أبو داود: باب العلم، ص ١٠ والترمذي: ص ٧ وابن ماجه في المقدمة والمناسك: ص ١٨ و ٧٦.